لم تعد السياسة مجدية وهي حبيسة داخل ربقة المؤامرات والمصالح المدمّرة، ولم تعد الحرب ممكنة لانتزاع الحق ما بقيت خيوطها تدار من خارج الجغرافيا اليمنية، ولم يعد للوطن والوطنية معنى وقد غرزت المأساة نصلها في ملايين النحور.
هل يهتم بؤساء هذا الوطن بمتابعة مجريات الأحداث العسكرية والسياسية؟ بصرف النظر عن الإجابة بنعم أو لا، فمن المؤكد أن تورطهم في متابعة هذه الأحداث سيضيف عبئا ثقيلا عليهم، فوق ما يكابدونه من مرارة العيش وقلة الزاد، ومصائب الدهر التي حلت عليهم بغتة.
هل يدرك الساسة ماذا يعني الوطن لمعدم فقد الأمل بالعيش على هذا التراب المغتصب؟ الوطن الذي يتغنى به هؤلاء الساسة، والوطنية التي تلصق زورا وبهتانا ببعض اللصوص الكبار وغيرها من المسميات المستهلكة، كلها لاتساوي شيئا لمعدم، يبحث عن الوطن في معدته الخاوية، ويتحسسه في جسده الهزيل؛ الوطن بكل الأحوال ليس قطعة من الأرض تحبس خيراتها عن محبيها بفعل عصابة متنفذة.
لقد طغت تفسيرات السياسة، في رسم الجغرافيا من وجهة نظر سياسية بحتة دونما التفات إلى ما يعنيه أن يصبح ملايين اليمنيين تحت خط الفقر وعلى شفير المجاعة وتحت وطأة القتل والظلم والفساد ومصادرة الحرية، وما يترتب على هذه المأساة من كارثة لن تسعها طاولات السياسة، ولن تحلها الاهتمامات الأنانية للمسؤولين.
هل هناك من مسؤولي الشرعية أو أرباب الانقلاب من ينظر بعين الرأفة والرحمة إلى صبر هذا الشعب وفقره وجوعه وكرامته؟ الجواب نعم، عندما يحتاج هذا الطرف أو ذاك إلى تأييد شعبي لموقف سياسي، فلا صوت يعلو فوق الشعب، أما عدا ذلك، فلا قيمة له إلا بقدر ماينافق الساسة ويتحول إلى بوق ناعق في مجالسهم.
إن اهتمامات الساسة، تطغى عليها المكاسب الخاصة، وإن زعموا أنهم يضعون مصالح العامة في تحركاتهم ومساعيهم. ألا ترى أنهم صنعوا ووقعوا اتفاقيات تقاسم سياسية منذ عام 2011، ولم ينل المواطن منها إلا المصائب، ومزيدا من التدهور الاقتصادي، وتضييق الخناق على مساحته في الحرية والكرامة والعدالة.
في الوضع الطبيعي يفترض أن تكون اهتمامات الساسة انعكاسا لهموم المواطنين، أما في الحالة اليمنية فثمة بون شاسع بين طرفي المعادلة، نظرا لتحوّل معظم الساسة إلى أدوات بيد أطراف خارجية، أو ذوات ينصب اهتمامها على صناعة أمجاد شخصية.
وإذا كان الساسة والمسؤولون عبئا ثقيلا على هذا الشعب، فلا يجب على الإعلام أن يصبح جسرا تنقل عليه الحمولة، إنه مطالب بالانحياز الكامل إلى صوت المواطن وحريته ومعدته، وفضح الذين أفسدوا في الأرض على الملأ، فالكلمة مسؤولية إن لم تر النور في هذا الوضع الظلامي، فلن ترى النور أبدا.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية