ذلك الصباح دخلت علينا أستاذتي سوزان الدغيدي ترتجف كالورقة التي في يدها وهي تردد: "سامحكم الله يا أهل اليمن ما كانش العشم".
كان ذلك في حرب الخليج الأولى، حين اقتحم صدام حسين الكويت، وأعلنت اليمن تأييدها لهذا الاقتحام، فيما اعلنت مصر رفضها له.
صباح ذلك اليوم، تعرضت معلمتي وزوجها لمضايقة سافرة من سائق سيارة فارهة، حين الزمهم الجدار وضيق عليهم الطريق، وأطلق كلمات نابية تخونهم، وطالبهم بالرحيل عن اليمن وهم نوارة التعليم آنذاك، في عداء واضح ضد مصريين أبرياء لا علاقة لهم بما يصدره الساسة من قرارات.
معلمتي نفسها التي فتحت لها باب المعهد في اليوم السابق، وهي تصيح بولولة مرتعبة: "الحرب قامت يا فكرية الحرب قامت". ثم تدعو وسط همهماتها: "يا رب اجمع شمل العرب".
في ذلك الوقت، لم يمثل ذلك اليمني، الذي ضيق الطريق بسيارته على معلمتي، اليمنيين في نظرتها لمصر العظيمة- مثلما لن تمثل تصرفات البعض في مصر نظرة المصريين لليمن.
مصر؛ هي البلد الآمن، الأقرب لأرواح كل العرب (أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، وهي وطن اليمنيين الثاني..
مصر؛ التي أرسلت أبنائها، يوما، لمناصرة الجمهورية اليمنية؛ ثم أرسلتهم ليكونوا مشاعل التعليم في اليمن..
مصر؛ التي فتحت أبوابها لليمنيين، ولكل لعرب، كأم كبرى نؤمن أنها جامعة العرب..
مصر؛ التي لن تشعر أنك فيها غريب، أو نازح أو حتى لاجئ؛ لم تحدد لك مخيمات نزوح أو تحدد إقامتك بمدة لا تتجاوزها..
مصر؛ التي تذوب بين أهلها، كأنك منهم، لا تختلف عنهم إلا بلهجتك التي تجعل سامعها يردد: "اليمن أحسن ناس"..
مصر؛ التي يتمتع الوافدون فيها بمزايا كأنهم أهلها..
المواقف الفردية، التي تؤذي الآخرين، لا تمثل سوى ذلك الفرد بعينه؛ أما روح مصر فهي مظلة العرب جميعا.
نحن كيمنيين مع مصر، وفي صف شعب مصر، كأخوة جمعتهم ذات العراقة والمصير.
دائما ما نجد هذا البلد العريق، بشعبه الكريم، مثالا للوقفة المشرفة مع اليمن، وأهل اليمن منذ القدم.
تعجز قلوبنا فعلا عن شكر مصر، قيادة وشعبا وأرضا، لما قدمته وتقدمه من أجل اليمن.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية