ستة أشهر كاملة على اتفاق الرياض، الذي يعيش مرحلة من التيه؛ بفعل الهروب المتواصل من المعنيين به والقائمين عليه، وكأنهم اكتفوا بالتوقيع، وأخذ اللقطات التذكارية، والتصريحات الإعلامية اللازمة، ولا يعنيهم التنفيذ وما سيبنى عليه، فقط ليبقَ الوضع على ما هو عليه، كل يقف على تلة، ينتظر هجوم الآخر ليرد عليه، وأثناء ذلك تتدخل السعودية العربية الدولة الراعية لاتفاق الرياض وما ترتب وسيترتب عليه تتدخل للتهدئة، وتهشيم ناصية الحكومة التي تدعي أنها تدخلت لحمايتها وإعادة الاعتبار لشرعيتها التي انقلبت عليها مليشيا الحوثي.
بذات المخاض الذي تشكّل الاتفاق فيه، من أغسطس إلى نوفمبر 2019، وما حدث خلال تلك الفترة من متغيرات سياسية وعسكرية، ها هي عملية التنفيذ المجمدة تنحو ذات النحو، بشكل أكثر إثارة، وبإعادة لسيناريو الوصول إلى الاتفاق يبدو أن هناك أشياء أخرى يُنتظر حدوثها حتى تبدأ مرحلة التنفيذ، وإن ذهبت في سبيل ذلك سقطرى، فالأمر تجاوز التنفيذ، وباتت تتبدى لنا قضايا وأحداث تضع الاتفاق برمته على المحك، وتنذر باستمرار مرحلة التيه لدى اليمنيين القابضين على أرواحهم من هول ما واجهوا ويواجهون بفعل الانفلات السياسي الحاصل، والصراع العسكري الذي تتحمّل مليشيا الحوثي مسؤوليته دونًا عن غيرها.
يتحمل الجميع المسؤولية؛ لأنهم اتجهوا منذ اليوم التالي لتجربة الحسم العسكري وتحكيم السيطرة المسلحة من قبل الانتقالي الجنوبي على حساب التفاهمات التي رعتها السعودية، والسعودية دون شك تتحمل المسؤولية الكبيرة جرّاء تماشيها مع متغيرات عدن بغض الطرف والتماهي حتى فُرض واقع جديد وضع كل شيء على المحك، وإن كان ذلك مثيرًا لغضبها إعلاميًا، فهو من جهة أخرى يتماشى مع ما تريد الوصول إليه في دولة لا ترجو لها الاستقرار؛ لأن ذلك يشكّل خطرًا لها ولأمنها القومي كما في وصايا الجيل الأول من حكامها!
من الواضح أن مجريات مختلفة رسمت للمشهد اليمني، ليكون الأكثر تعقيدًا بين مثلائه في المنطقة كسوريا وليبيا وحتى السودان، ولا مصلحة لأحد في ذلك سوى السعودية والإمارات بشكل أقل؛ فالسعودية تتعامل مع اليمن كدولة يشكّل استقرارها ونهوضها خطرًا على أمنها القومي، لذا فهي تتعامل معها بما يضمن لها عدم الاستقرار التام، ووفق ما يشكّل لها بسط نفوذ تتوارى من خلفه لتحقيق مرادها، وتستخدم الإمارات لذلك، وهي الأخرى تتعامل مع اليمن كتركة بكر، لم يهنا بها أحد، وتعمل على تنشيط حضورها التجاري من خلال حضورها في المناطق ذات العمق الاقتصادي في البلاد، وفي ذلك تعبير عن كنه ما تسعى إليه.
لا أحد يستطيع التكهن، ولكن الجميع يخلقون الأسباب، ويصنعون المسببات، ولكل منهم مآربه ومصالحه، ولليمنيين أن يكتووا بنيران الخلافات المتجددة المستمرة، والتي أملوا أن تتوقف عند حد الحوثيين الانقلابيين والحكومة الشرعية، لكن هناك من لا يريد للبيت اليمني أن يترتب، بل يبقى كما هو وللأسوأ، وهو بذلك يحقق ما يريده بكل ارتياح، في ذات الوقت لا أحد يأتي بالتائهة، ويضع حدًا للمسلسل المتمادي في أحداثه منذ ست سنوات!
هل يقف الرئيس هادي في طريق تنفيذ اتفاق الرياض؛ لضمان عدم حدوث أي متغيرات تعرقل استمراره في السلطة؟ أم أن المجلس الانتقالي وحراكه الانفصالي استحلى مرحلة اللا دولة ليواصل مساره؟ أم أننا أمام مسرحية يتم تأليفها من قبل التحالف العربي، وتنتظر معالجة درامية مختلفة حتى تظهر على الملأ؟
كل الاحتمالات مفتوحة، وسط واقع لا يطمئن، فالسجال العسكري متواصل، والتباين السياسي متفاقم، والحوثيون بعقلية المليشيا والانتهاز تحاول تحقيق المكاسب من خلال الخلافات بين مكونات الشرعية، وتصدر نفسها كبديل أكثر استقرارًا، ولا يقول الواقع سوى إنها مليشيا، تملك من المساوئ ما لا يحتمله الكوكب برمته!
فمن يأتي بالتائهة؟ ويعجّل بالخلاص؟!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل