ما يجمع عليه اليمنيون هو ألا أحد يستطيع انتزاع ألفتهم وأخوتهم التي بنوها خلال القرون الماضية، وأصالتهم وجذورهم التي مدتهم بكل احتياجات البقاء الضامنة لاستمرار الكيان اليمني شامخًا مهما حاول البعض تهشيمه والنيل منه.. إنها رحلة مضنية سقى أجدادنا التراب بالدم، وشربوا من مياه البحر؛ كي يهبوا هذه الأرض الحياة، وهي كذلك إلى اليوم، وستبقى على ما هي عليه إلى يوم الخلود، زاهية بتضحيات بنيها، خضرة نضرة، لا تستسلم لما يحيكه المتآمرون المستدعين لتدخلات باطلة، لا تريد لليمن خيرا.
دون شك، جاءت جائحة كورونا لتظهر أنفسَ ما نملك، التعاون والتكافل والرحمة والتكاتف، وكل القيم المعززة لتماسكنا الاجتماعي، الذي تعرّض لكثير من الضربات المميتة من قبل المتصارعين في البلاد وفي مقدمتهم مليشيا الحوثي، التي عصفت بكل القيم اليمنية، وضربت بأعرافهم وتقاليدهم الحميدة عرض الحائط، واتجهت دون توقف لانتهاج أساليب لا صلة لها بالإنسانية لوأد كل ما يجمع بين اليمنيين، وآخرها وثيقة زكاتهم التي خصوا بها بني هاشم، وفصلوها عليهم تفصيلًا دقيقًا؛ عملًا بادعاءات الحق الإلهي، والقدسية النسلية والسلالية التي يتباهون بها قولًا، وأفعالهم تدل على أنهم ينتمون للقتل والتخريب والدمار، وبأنهم أدوات موت لا حياة، ولا يمكنهم يومًا أن يكونوا إلا آلات حرب وابتزاز على حساب الإنسانية وكرامة الإنسان.
يقينًا، برهن غالبية أطبائنا على إنسانيتهم، أكدوا لنا مدى حضورهم النابع من دافع أخلاقي ووطني؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولمواجهة تفشي فيروس كورونا، والحميات والأوبئة الأخرى، وللتأكيد على روح التكاتف والتماسك المجتمعي الذي يجسده اليمنيون بشكل دائم، ومع كل أزمة تعصف بهم، لا يأبهون للمتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فتلك أمور لا تعنيهم بقدر ما تكدر صفو حياتهم، وتعيدهم لمربع الصراعات التي عاشوها خلال القرن الماضي، وتصنع نتوءات لفجوات هم في غنى عنها.
مدعاة للفخر أن يلتحم أطباؤنا في المهجر بأطبائنا في ميدان المواجهة مع الفيروس في الداخل، هذا ما لمسناه من خلال الجهود المبذولة وبشكل لافت، لقد سخّروا أنفسهم بديلًا لحالة التيه التي تعيشها السلطات المدعية سيطرتها على الأرض، ولكنها تترك اليمني يواجه كل الويلات، فهمها السيطرة والجباية والحصول على مساعدات وهبات طائلة تحت لافتة إغاثة اليمنيين ومساعدتهم للخروج من الأزمة التي يعيشونها منذ سنوات.
تابعت عن كثب ما قام به أطباء في المهجر من حملات إلكترونية لحشد الدعم المالي من أجل حماية الطواقم الطبية في بعض المحافظات، نسقوا لشراء معدات وقائية ومستلزمات حماية للعاملين في الصف الأول وجهًا لوجه مع كورونا، وهو أيضًا عملوا على تأسيس مبادرات تعمل ليل نهار للتجاوب مع الاستشارات الطبية والتعامل مع الحالات الخفيفة والمتوسطة عن بعد سواء عبر الفيسبوك أو الواتس اب أو أي وسيلة افتراضية ممكنة، ومن خلالها شكلوا ما يشبه المستشفيات الافتراضية والفرق المتنوعة التخصص لمناقشة كل حالة على حدة، والبت فيها ومتابعتها حتى التعافي، بل وصل بهم الحد لتأسيس مستشفيات ميدانية والعمل فيها، في صورة تجسد المعنى الحقيقي للتلاحم والتماسك بين اليمنيين.
في الداخل تجشم كثيرون كل العناء، واصطنعوا بدائل لإيجاد حلول بديلة في ظل عجز السلطات المعنية، ففي صنعاء، قام الدكتور سامي الحاج بوضع بكتابة "أوقفني إن كنت تريد استشارة طبية" على زجاج سيارته، في مبادرة لاقت إشادات واسعة محلية وإقليمية، وفي تعز لم يحتفل عمر المليك المدير الفني لمركز العزل بالمستشفى الجمهوري بزفافه، وآثر البقاء إلى جانب زملائه للتخفيف من معاناة المصابين بالفيروس في تعز، وهذا مشهدان من مئات المشاهد الإنسانية في بلد يؤكد أبناؤه أنهم لبعضهم البعض عونًا وسندا.
هذا هو جيشنا الأبيض، المستحق للتحية الخالدة، من يعمل دون كلل للتخفيف من الآلام، والحد من المعاناة، بما استطاع، فتحية الإباء الأبدي لملائكة الرحمة وجيشنا الأبيض العظيم.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل