بينما كان الجاسوس الصهيوني بني زئيفي، يتجول مع الملا مصطفى برزاني في جبال كردستان أواخر العام 1965، وصلت برقية مشفرة لزئيفي أن زوجته وضعت وليدها في لندن، ولم يجد برزاني من هدية للمولود أثمن من قطعة أرض في كردستان، ثم خاطبه: "هذه هديتي لابنك، عندما يكبر يمكنه المجيء إلى بلادنا والمطالبة بقطعة أرضه".
بعد65 عاما، من تلك اللحظة التي أعطى فيها من لا يملك "برزاني"من لا يستحق "الجاسوس الصهيوني "، ظهر من لا يملك مجددا في صورة المجلس الانتقالي التابع للإمارات جنوب اليمن، ليعترف بالكيان الصهيوني كدولة يرغب في إقامة علاقة علنية معها، اعتقادا منه أن هذه "العلاقة المحرمة" كفيلة بإنجاب "دولة" لما للكيان الصهيوني من تأثير وفاعلية في حالات مشابهة، كحالة جنوب السودان، لكن الانتقالي تناسى أن ذات الكيان فشل في منح أحفاد الملا برزاني الاستقلال بعد عقود من العلاقات الثنائية بين الطرفين!
إن كان ثمة توصيف بين العلاقة المحرمة بين ميليشيا الانتقالي والكيان الصهيوني فلن تتعدى أنها علاقة من لا يملك ولا يستحق بمن لا يملك ولا يستحق؛ ذلك أن الكيانين فرضا نفسيهما بقوة السلاح، على أصحاب الأرض الأصليين بدعم خارجي، مع فارق أن الكيان الصهيوني يحظى باعتراف دولي، بعكس الانتقالي الذي يبحث عن اعتراف دولي.
يعتقد قادة ميليشيا الانتقالي، أن حصولهم على اعتراف دولي، يمر عبر البوابة الصهيونية، خاصة وأنهم لا يحظون بأي دعم شعبي في المناطق التي سيطروا عليها بقوة السلاح، ولذا لن يكون من مصلحتهم اعتماد الإرادة الشعبية كفيصل في مسألة الانفصال ونيل الاستقلال، وهذا ما دفعهم لتجاوز هذه الإرادة التي تناوئهم، والبحث عن اعتراف خارجي، ولو جاء من جانب الكيان الصهيوني، الذي يرى في هذا الاتجاه، خطوة مهمة لإيجاد موطئ قدم له في الجغرافيا اليمنية.
خطوة الانتقالي التطبيعية مع الاحتلال، لا يمكن فصلها عن السياق العربي الرسمي الذي أصبح يرى في إسرائيل "دولة صديقة" ويرى أن "القضية الفلسطينية " عبئا يجب الخلاص منه، انطلاقا من اعتبار الصراع مع الاحتلال "صراعا سياسيا" لا "صراعا عقائديا ووجوديا"، وهكذا يصبح التطبيع خطوة سياسية لا خيانة يجب المحاسبة عليها.
العلاقة المحرمة بين المجلس الانتقالي، والصهاينة كانت متوقعة، لكن الإعلان عنها بهذه الصراحة من جانب الانتقالي لم يكن متوقعا أن يتم بهذه السرعة، ولعل الإفصاح عنها يأتي بإيعاز إماراتي، يتسق مع إعلان الإمارات علاقتها العلنية مع الصهاينة، ويمنح الانتقالي حليفا مستقبليا يخفف الاعتماد الكامل على الإمارات، التي ترغب في تخفيف العبء عنها في معركتها مع ثورات الربيع العربي.
إن خيانة الانتقالي، التي بدأت بموالاة الإمارات، لن تنتهي بالتطبيع مع الصهاينة، وهي تندرج ضمن مسلسل خيانة عربي مترابط للعقيدة والأرض والإنسان، شاركت في صياغته وتنفيذه وتمثيله، أطراف رسمية وسياسية عربية ومحلية، والمجلس الانتقالي لا يعدو عن كونه ممثلا هامشيا في حلقات هذا المسلسل.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية