تأكد لنا –كيمنيين- أننا لن نهنأ بعيش ما دامت السياسة السعودية تتعامل مع المشهد اليمني بكل هذا الاستهتار، وكأنه لا يعنيها، بعد أن أوصلته إلى مراحل معقدة للغاية، وعلى كافة المستويات.
فرّخت السلطات الرسمية للبلاد إلى سلطات ذاتية التحكّم، تعمل وفق أيديولوجيات سلالية مذهبية ومناطقية عصبوية، في إطار سلطات الأمر الواقع، إذ لا وجود للدولة، وإن تواجدت في بعضها، فلا يزيد دورها الصوري عن كونها مجرد جسر عبور، من أجل تسهيل بعض المهام الإدارية والمالية، باعتبارها سلطة شرعية!
عسكريًا، لم يعد الجيش الواحد من يمسك بزمام الأمور، ولا توجد سلطة عسكرية موحدة، كمرجعية لكافة التشكيلات التابعة للدولة، فبالإضافة للحوثيين، اصطنع التحالف العربي بحنكته وخبرته التي لا تُبارى، كيانين مسلحين آخرين، في إطار حسابات دقيقة، وللاستخدام الخارج عن توجهات الدولة اليمنية، وفق ما تشتهيه أهواء دول بحد ذاتها، وهو ما يجعلنا أمام حقيقة صادمة: إن التحالف العربي، كان فخًا لليمنيين، وقد أوشك أن يترك البلد في مهب الريح، تواجه مصيرها المجهول، بعد خمس سنوات من التدخل الذي قيل يومها بأنه لن يتجاوز 14 يوما!
اقتصاديًا، يبدو البلد منهكًا، كأبنائه، وقد تعثرت كل المشاريع المخطط تنفيذها، وتضاعف سعر العملة مرتين أمام الدولار، وارتفع سعر المواد الأساسية أضعافًا، وبقينا وحدنا في دوامة أزمات متتالية تسببت في حدوث المجاعة في عدد من المناطق، ولم نحصل سوى على التدخل الإغاثي المحدود، من جيراننا البارين بنا جدًا، ومن الأمم المتحدة، رائدة المزادات التسويقية باسم احتياجات أبناء اليمن.
لا طاقة لي بسرد المزيد، فكل ما في الأمر أننا وقعنا في فخ السعودية والتحالف الذي تجلّى في أبهى صوره فجر السادس والعشرين من مارس 2015، وبعدها تدحرج حتى أصبح أداة بيد دولتين، إحداها تقوم بالتخدير، والأخرى تنفذ العملية الجراحية، بأدوات زهيدة السعر، ولا علاقة لها بما تقوم به، فهي الأخرى تركض خلف إتاوات الأسواق، ونحو ذلك من عمليات الاسترزاق اليومية، مكتفية بدورها المرسوم..
نعم، السعودية تتحمّل المسؤولية الكاملة، فهي من قامت بعملية النكف العربي، وتداعت كما فعلت قبائل قريش، وأخذت تندب اليمن الذي يفر منها أمام مرآها، واتخذت من شعارات استعادة الدولة، ودعم الشرعية، وتنفيذ ما أجمع عليه اليمنيون، أسبابًا منطقية ومقبولة، على الأقل يومها، وضخت إعلاميًا في هذا الاتجاه، ثم انتكس الأمر، وانقلب السحر على الساحر، وتحوّلت عملية الإنقاذ إلى انتهاز من الدرجة الأولى، وشرّعت الأبواب لتصبح اليمن ساحة صراعات من العيار الثقيل، وملعبًا لتصفية حسابات دولية عبر الأدوات الإقليمية، والأخيرة لها أدواتها وأتباعها الذين لا يترددون عن التنفيذ مهما كانت العواقب.
لم نعد ندرك مما قام به التحالف سوى ما وصلنا إليه اليوم، الأزمات السياسية والاقتصادية التي لا تتوقف، وبشكل يومي نعيش على وقع أزمة معيشية أو صحية، وكذلك الهزائم العسكرية المتواصلة، بسبب انعدام الجدية من التحالف، وانسداد أفق الرؤية والتوجه، واعتماده على مليشيا مصطنعة، لتنفيذ ما لا يتوافق مع الإرادة اليمنية، ومع أهدافه التي أعلنها حين أقدم على خطوة التدخل العسكري، وسلسلة مواقف مخزية، حشرت اليمن واليمنيين في زاوية ضيقة، إذ يعيشون في ظروف معقدة، ممزوجة بالحسرة والخذلان.
يقينًا، استُخدم الحوثيون للانقضاض على مكتسبات اليمنيين بعد فبراير 2011، ومُدّوا بكل ما يهيئ لهم الأمور، من مال وسلاح وتفاهمات مع بعض القبائل ذات الثقل البشري والجغرافي، وشراء ذمم، مهّدت للانتكاسة التي تعيشها الجمهورية اليوم، مما جعلها تائهة، لا تدري من العدو ومن الصديق، ومن الذي يريد إنقاذها، ومن يكيد لها ويوردها المهالك!
إننا أمام لحظات عصيبة وفاصلة، سيبنى عليها تاريخ بلا ملامح، في بلد يبحث عن ذاته في متاهة الخذلان، من أبنائه وجيرانه.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل