على مدى السنوات الست الماضية يقدم الحوثيون أنفسهم بديلًا مثاليًا لكل القوى السياسية في البلاد، وهم الذين اغتصبوا السلطة بانقلاب مشؤوم في سبتمبر 2014، وسط رفض شعبي، واستنكار إقليمي ودولي للخطوة المتهورة التي انتهجوها، وعملوا بموجبها على تقويض كافة الجهود الرامية للملمة شتات اليمنيين، ووضع حد لمسلسل الويلات الذي لا ينتهي، واتبعوا سياسة الإقصاء، كأداة مكنتهم من السيطرة القسرية على المناطق الخاضعة لهم بالنار والحديد.
يتحكم العقل المليشاوي لدى الجماعة الحوثية بكل شيء، فهو إضافة إلى كونه الآمر الناهي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا، فهو من يعمل على اصطناع الأزمات وتسويقها؛ للحصول على دعم مكثف تحت يافطات إنسانية وسرعان ما يحولها إلى الفائدة الذاتية، إذ يعمل على تجييرها بمسمى المجهود الحربي، ومصادرتها أمام الملأ، مما دفع بمنظمات عدة إلى الحديث عن الموضوع بشكل علني، حتى إن برنامج الغذاء العالمي علّق على عملية مصادرة الحوثيين للإغاثة الغذائية المقدمة للمحتاجين في اليمن بالقول: يسرقونها من أفواه الجوعى، مؤكدًا ذلك بالأدلة القطعية، وهو ما يبرز وجهًا قاتمًا من وجوه الجماعة التي تقتات على حساب آلام ومعاناة اليمنيين، دون وجه حق.
لم يكتفِ الحوثيون بالانقلاب العسكري والسياسي، والتحكم الاقتصادي بأهم المؤسسات الإيرادية كالاتصالات وبعض القطاعات المالية، بل انتهجوا أساليب انتهازية للنيل من الشعب، والتعامل مع الوضع الجديد وفق سياسة الفيد، والحصول على أكبر مردود مالي، دون النظر إلى الموارد المتاحة، ولا إلى عاقبة ذلك على المستهلكين من عامة الشعب، الذين يدفعون ثمن هذه النزوات التي لا تتوقف، بل تزداد الأوجاع، وتتفاقم المأساة؛ بفعل اصطناع الحوثيين لأزمات أخرى وفق منظورهم الاستبدادي القائم على ضرورة الدفع والحصول على مال كاف يشبع جشعهم وطمعهم الذي قادهم لانتهاج هذه الأساليب الكهنوتية، في استعادة كاملة لهيكلة الحكم الإمامي، ومنظومته التي كانت تتعامل مع الشعب كقطيع عليه أن يلبي رغباتها دون نقاش، ودون تفكير بمآلات ذلك عليه اليوم أو غدًا.
وككل أزمة، تعاملت الجماعة الحوثية مع أزمة تفشي فيروس كورونا في مناطق سيطرتها بالعقلية المليشاوية، وتعاملت مع الموضوع بالاستهتار المبالغ فيه، وبالهوشلية المعتادة عالجت الأمر بما يحلو لها، القبضة الأمنية، التنكيل بأهالي المصابين، التكتم الشديد والتعتيم على الأخبار المتواترة من هناك، لا لشيء فقط من أجل ألا تكون هناك ردود فعل شعبية، ولئلا يختل ميزان جبهاتهم العسكري؛ كون أفرادهم سيقلقون على أهاليهم نظرًا للبعد ولضعف الإمكانيات الصحية هناك، وحين اعترفت عن وجود إصابات، أخرجت الموضوع بصورة باهتة، وزادت الطين بلة، وقدمت نفسها كالعادة بأنها تعمل على إنقاذ الموقف، وتعمل جهودها من أجل الإنسان اليمني، وعلى الأرض تقول أفعالها عكس ذلك تمامًا.
تفشّى الفيروس في صنعاء بشكل هستيري، وتجاوزت الأرقام عدن وكافة المحافظات الأخرى، وبدا المشهد ولا يزال كارثيًا، وما تزال جماعة الحوثي تتعامل مع الموقف بذات العقلية، وتحاول الاستفادة من الأزمة بما يحلو لها، سواء من حيث الابتزاز للمنظمات الداعمة والتي تدخلت لإنقاذ أرواح الناس، أو لتحقيق هالة إعلامية بأنها تقدم كل ما تستطيع من أجل الوصول إلى مرحلة مناسبة من المواجهة مع الفيروس، وزاد على ذلك وزير صحتها فقال: علاج فيروس كورونا سيأتي من اليمن وأشار إلى إن هناك أبحاث ودراسات تقوم به جماعته بخصوص ذلك، ونسي الرجل بأن يشير إلى المستشفيات الرافضة لاستقبال المرضى، وحالة التيه الذي يعيشها القطاع الصحي هناك، واكتفى كالمعتاد، بتسويق نفسه، وجماعته، بأنها تعمل ليل نهار لاحتواء الفيروس، ومكافحته.
لا ولن تتغير الصورة النمطية للحوثيين، سيظلون كما عرفناهم، تجار أزمات، لا تهمهم اليمن ولا اليمنيون، كما يدعون.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل