لن يصادف جميع العالقين، بسبب إلغاء رحلات الطيران والسفر من اليمنيين في دول الجوار، شخصا مثل ذلك الرجل !!
كان قد اعتاد أن يؤجر شقته في القاهرة أثناء غيابه لذا أعلم المقيم فيها أن يخلي الشقة في تاريخ محدد هو وقت وصوله وعائلته للسكن فيها. وعلى هذا حجز المقيم فيها رحلة العودة.
كان وضع المقيم في الشقة يرثى له، فقد انتهى مبلغ المال الذي بحوزته في معالجة زوجته المصابة بالسرطان كما أنه يخشى عليها عدوى كورونا. ومطلوب منه أن يغادر الشقة أيضا لكن المطارات أغلقت والغي الحجز!!
كان وضعا محرجا لكن نبل وتعاطف مالك الشقة جعله يترك شقته للرجل وزوجته المريضة وسامحه بالإيجار، بل ونقده مبلغا من المال لتسيير شؤونه.
فكم من العالقين يمكن أن يصادفه الحظ بمساعدة الآخرين له في ضائقة أحرى ألمت باليمنيين في شتاتهم؟!!
لعل انهيار أوضاع اليمنيين في غربتهم هو الوجه الناصع لقصص انهيار الاقتصاد العالمي..
المغتربون الذين ضربهم الحظر في صميم معيشتهم اليومية وأصبحوا بحاجة للمساعدة بعد أن كانوا قوام اقتصاد اليمن وسندها.. اصبح الكثير منهم يتمنى فتح الحدود والخضوع لمدة حجر، يلاقي فيها المسافر ما يلاقي، عوضا عن البقاء في عزبهم وغربتهم بلا أعمال أو دخل يحفظ عليهم كرامتهم وذل الحاجة.
في الحقيقة لم تترك المصائب المتتالية مجالاً لليمني ليسترد أنفاسه.. فميليشيا ووباء وسيول وكل هذا يؤدي لفقر طاحن، لمستوى من الحاجة يتعاظم كل يوم!!
حتى حين غادر اليمني بلاده باحثاً عن منجاة لم يجد في طريقه سوى الضيق والضوائق، وهذا شيء طبيعي في النهاية، فكيف تمنح أرض الغير شيئاً لمن لفظته أرضه؟!
في وضع كهذا يتذكر المرء تلك الرومانسية التي قرأها في القصائد والروايات عن معاناة المغتربين. تلك المعاناة المقصورة على مكابدة الفقد ومقارعة الشوق للقاء الأهل والأحبة.. يا للرومانسية والشاعرية!
أين مغترب اليوم من هكذا أحاسيس وشجون، وقد صلبته الغربة، لا على صليب الأشواق المتراكمة، وإنما على صليب الحاجة والفقر؟!
حديث طويل بإمكان المرء أن يسيله هنا دون أن يقدر على الإحاطة بالنكبة، لكن يبقى الأمل في النهاية بمدد الله وبالأبطال المنافحين في سبيل عودة الحياة إلى شرايين هذا الوطن المنكود بالفقر والمنكوب بالميليشيات.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية