كل ما في الأمر أننا لا نملك قرار الحرب ولا إدارتها، هنا أو هناك، فقط ينفذ الجيشان العتيدان الأوامر جزافًا، ثم ما يلبثا أن يقعا في حسبة مختلفة، هي من تحدد مسار المعركة ونهايتها، فخوارزميات التحكّم ليست في اليمن، إنها إقليمية بغطاء دولي، وحدهم من يدركون ذلك يقعون ضحايا لها، ويُعيّرون في وطنيتهم وتضحياتهم التي تشهد لهم بها ميادين الكر والفر.
ما يمكن إدراكه اليوم وغدًا وبعد غد أن اللعبة لم تكتمل بعد، وأن حلقاتها تتوسع باستمرار، وفق حسابات ضيقة تدركها الحكومة الشرعية ويساوم عليها الحوثيون ويتشكل واقع الصراع وفق هذا وذاك، فالتجاذبات الأخيرة تؤكد أن وراء الأزمة اليمنية ما وراءها، إذ شهدنا على خفوت غير منطقي لكل جبهات القتال على مدى أشهر، حتى أوشكنا نقول بأن الحرب تلفظ أنفاسها، وأن هناك توافق سياسي وشيك، يضع حدًا للقتال، ويفتح الباب لسلام دائم.. غير أن المعطيات والتطورات المتلاحقة التي شهدتها المحافظات الجنوبية كلها، وسقطرى والمهرة تحديدًا، عملت جلها على وضع سيناريو آخر للحرب اليمنية، وفق تلك التطورات المصطنعة، والتي بدت جليّة فيما يبدو اليوم في المهرة وسقطرى على حد سواء، وما لذلك من تأثيراته الكبيرة على المشهد اليمني برمته، سواء السياسي أو الاقتصادي، فتبعات التدخل العسكري المفتعل في كلتي المحافظتين، والمشادات الحاصلة لشرعنة ذلك التدخل، أفرز واقعًا آخر، تضغط به تلك الدول على الحكومة الشرعية، والرأي العام اليمني لأجل الحصول على مآربها دون تأخير.
رغم الحسبة العسكرية، والعدة والعتاد، لكن أحدًا لم يتوقع سقوط فرضة نهم ومحافظة الجوف في غضون أيام، ونحن نتحدث عن جحافل من القوات الحكومية المجهزة، والمُعدّة بناء على تراكمات وخبرات حربية عمرها خمس سنوات، وهو ما يثير تساؤلات عدة، ويفتح الباب أمام حقائق جديدة في إطار الهزائم المتتالية التي لم تكن في الحسبان.
مجددًا نتأكد أن ما يُعرف بتحالف دعم الشرعية، لم يكن سوى فخ كبير، وبالونة هوائية انفجرت يومها؛ لتصنع أزمات أخرى، وتعمل على تعقيد الأمور، من أجل أن تحقق مصالح ذاتية، وفق مخططات مسبقة، تتعلق بهوس السيطرة حينًا، وحينًا لاستنزاف الخيرات اليمنية البكر، وكل يعمل من أجل ذلك، فيما عُرف بعاصفتي الحزم وإعادة الأمل اللتين اتضح أنهما مجرد أسماء وهمية لم يقدما لليمن واليمنيين شيئا.
منذ مقتل القشيبي، والاستيلاء على لوائه العسكري، والتشنيع بالمدافعين عن صنعاء من القادة العسكريين، والابتهاج بسيطرة المليشيا على معسكرات الجيش واسلحته، ونحن نشهد حالة غير مفهومة من الانفلات الذي لا يمكن تصديق مجرياته، كأننا نعيش كابوسًا مزمنًا، كلما أفلتنا من حدث جسيم وقعنا في آخر، وكل مرة نفقد الكثير من مكاسبنا لحساب ذوي الأفكار الهوشلية، الذين لا يعرفون غير التبعية، وبذلك هم ينالون الدعم والرضا من قوى ما نزال ندفع ثمن تدخلاتها في تشكيل الدولة اليمنية، وقولبة هويتها، إذ لا ننسى الاستماتة السعودية بالوقوف مع الإماميين، والعمل على تمكينهم من الحكم، والوقوف ضد مشاريع الجمهورية، والحركات الثورية التصحيحية، وما يجري اليوم لا يتجاوز ذلك، فأي توجه لليمنيين من أجل صناعة دولة جامعة وفق أسس جمهورية خالصة، فإن ذلك بمثابة خطر يهدد الأمن القومي السعودي، وهو ما تعمل السعودية وأدواتها على وأده في المهد، وإن أظهرت غير ذلك.
لا شك أن التحرر من الحوثيين وخزعبلاتهم يأتي في هذا السياق، فمن وجهة نظري أن ما نعيشه من أحداث، يأتي ضمن حبكة درامية مصطنعة لتحقيق أهداف عجزت السعودية عن تحقيقها منذ تأسيسها، ولا يمكن تصنيف تدخلها إلا في إطار وهمي، تؤكده الإقامة الجبرية للمسؤولين اليمنيين، الذين يجدر بهم أن يكونوا في الميدان لقيادة المعركة عسكريًا والعمل على تطبيع الحياة.
تجيد السعودية وحلفاؤها صناعة الخذلان لليمنيين، فالشعب الذي يبحث عن لقمة عيشه وقع ضحية خطط استراتيجية لا يمكن تنفيذها إلا بإقصائه من حقه في الحياة، والتفكه بما يجري له، وفق تصورات تضعها الجارة اللدودة، بادعاءات شتى تقول بأنها تنقذنا ولا نلمس منا غير البؤس والخذلان، والمزيد من الأزمات التي لا تنتهي.. فعن أي إنقاذ يتحدثون؟
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل