هناك إصرار كبير على التحرير، وإعادة الشرعية الدستورية، والحفاظ على المسار الجمهوري لدولة تبحث عن ذاتها منذ الثورة الأم في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وهذا نسق لا يمكنها التلاشي أو الخفوت، لأن شيئًا من ذلك يعني أفول الجمهورية ربما إلى الأبد، في ظل نزوة الحركات اليمينية المتطرفة ذات الأصول الإمامية كجماعة الحوثي ومن شاكلها، إضافة لمحيطنا الذي لا يكترث لأي حكم دون أن يتماشى مع هواه، فجمهورية محاذية لإمارات الخليج وممالكها لن تهنأ باستقلالية تامة على مستوى القرار وتحديد المصير..
هذا ما نعيشه منذ أن اخترنا الجمهورية، وهذا ما نذوقه اليوم ونحن نقارع عنها الانقلابيين، ونصد دعوات المثقفين الجدد، الذين يرون في الملكية خيارًا قائمًا للحل النهائي في البلد!
بذات الإصرار وأكبر، تحاول قوى محسوبة على الحكومة الشرعية تقويض كل جهود التحرير وتطبيع الحياة في مناطق سيطرة الحكومة، ولا يختلف عنها توجه التحالف العربي الداعم لاستعادة الشرعية، سواء بتحركاته، أو بسياساته المثيرة للجدل والصادمة في ذات الوقت؛ إذ كيف لمن يدّعي مساندتك أن يتركك وحيدًا وأنت في أمس الحاجة إليه؟ ويكتفي بموقف المشاهد، وكأن الأمر لا يعنيه البتة!
غريب ومؤلم أن يعيش كيان واحد بهذا التضارب العابر لحدود المعارك القتالية إلى المناصب الحكومية والمسؤوليات المشتركة، ليقدّم لنا نموذجًا قاصرًا على مستوى الفهم والإدراك والمشاركة وحتى العمل، كأن سنوات العمل المشترك منذ إسقاط الرئيس الراحل لم تقدّم لهم شيئًا، بل ساهمت في زيادة البحث عن فرص للنيل من الآخر، والاستفادة منها لمصالح ذاتية على حساب الأهداف العامة، التي بدون تحقيقها تصبح الأوضاع كارثية للغاية.
أتابع تفاصيل عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل منذ إعلانهما، وأهدافهما وما نجم عن العمليتين من آثار انقضت على ما تبقّى من الكيان اليمني، ولا يحمد لهما سوى تحييد سلاح الجو للحوثيين، وبناءً على ذلك انفردوا بإعادة تشكيل المشهد برمته سياسيًا وعسكريًا وفق أطر تضمن لهم السيطرة الشاملة، إما بعدم إقصاء طرف للآخر، أو بتغذية جنون الحوثيين الانقلابيين على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وذات أَثرة الدفاع عنها من قبل التحالف المثير للجدل!
لا أحد وضع في حسبانه كل هذا التعقيد الذي نعيشه، ولا أحد توقّع أن نعيش خذلانًا كالذي نحن فيه اليوم، فكلما أملنا في تحسّن ما، حدث الأسوأ، وكأن كل ما مضى لم يغيّر شيئًا لا على مستوى التفكير ولا على مستوى تحديد الأولويات لا من مكونات الشرعية، ولا من التحالف الداعم، بل صنع كل منهم بينه وبين الآخر حائط صد، يصنع الفجوات على حساب التقارب المنشود من أجل الجمهورية الوحيدة في مخاضها العسير.
تنتهز مليشيا الحوثي كل هذا العبث القائم، تستفيد من كل ما يدور، تحوّل نقاط ضعف الشرعية إلى نقاط قوة لها، وتلعب من خلالها لتحوير حياة اليمنيين جميعًا، بما يزيد من قوتها، وسيطرتها على مواقع وجبهات مهمّة، ويعيد لها نفسها من جديد، لتصبح قادرة على المواجهة رغم التقهقر الذي تعيشه، ولا يعني ذلك فارقًا من حيث التوقع، فالجماعة السلالية لا ولن تجانب توقعاتنا، وستستمر في إظهار وجهها الحقيقي مع تكشف سلسلة إجراءاتها الابتزازية والقمعية بحق القاطنين في مناطق سيطرتها، وبما يؤثر على المناطق التابعة للشرعية.
يحدث ذلك أمام مرأى ومسمع القوى الدولية الراعية للسلام في اليمن، وبإشراف أممي من قبل جريفيث، الذي لم يحقق شيئًا يذكر منذ توليه المنصب، وفي ظني أنه لن يتجرأ على انتقاد ذلك وسيكتفي بدوره الإشرافي وتقديم النصائح وملاحقة الأطراف من أجل تجديد ولايته، وهذا كل ما بمقدوره فعله إلى الآن.
هل وقعنا في فخ التحالف المنقذ؟
أكثر من ذلك أننا فقدنا الثقة بالجميع، وبتنا تائهين أكثر من أي وقت مضى، نلاحق حقنا في جمهوريتنا البعيدة عنّا، بفعل خلافات المدافعين عنها، وخذلان من أوهمونا بالدفاع والإنقاذ، ولا أدق من وصف لذلك غير "جنت على نفسها براقش"!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل