حين يتعلّق الأمر باليمن، فإننا نتحدث عن أنفة وشموخ، وبلد ضارب في عمق التاريخ، وشعب يُعير علاقاته البينية اهتمامًا استثنائيًا، بعيدًا عن الخلافات الدائرة، وعوامل الفرقة والشتات التي أريد لها أن تتحكم في تفاصيلنا، شئنا أم أبينا.
بدونا أكثر إصرارًا على الحياة، واجهنا الموت بشكل منقطع النظير، حتى سلسلة الأزمات التي حاولت النيل منّا، تخرج في كل مرة بخيبة كبيرة، لا مجال للمنغصات بالنسبة لليمنيين، إننا شعب امتهن التعالي على كل ما يدور حوله، شعب يصنع من المستحيل حقيقة مستساغة، يتناغم مع ما يجري دون مقدمات، ويتعاطى مع ما يستجد وفق معطياته الأولى، هذا شعبُ الجبّارين، وما جانبوا صواب الحكم الإلهي الذي وصفهم "أولو قوة وأولو بأس شديد".
لم نكن نعرف بشكل واسع أن بلادنا ساحة مفتوحة لصراعات خفية، عملت الأنظمة الحاكمة المتلاحقة على مسايرتها بما يضمن استمراريتها في الحكم وفق مصالحها الذاتية على المستويين الاقتصادي والسياسي، في الشطرين، كانت الأنظمة مجرد عامل تنفيذي فقط لا أكثر، تلهي الشعب بأشياء لم نأبه لها، كان أبرزها صناعة سيناريوهات متنوعة لأزمات معيشية، تضمن بقاء الشعب في مستوى محسوب العواقب من حيث التفكير أو الطموحات، بحيث لا تتجاوز لقمة عيشه، وتوفر احتياجاته الأساسية، ومتابعة كل ما يتعلق بهذا الشأن، ومصير غامض يلف كل من أقحم نفسه فيما لا يخصه، من وجهة نظر عتاولة السياسة وأرباب الأزمات.
لم يختلف الأمر كثيرًا، ما استجد فقط هو أن ما كان تحت الطاولة بات فوقها، وكل ما خفي انكشف، وتداخلت المصالح بين أصحابها، ويمكن الجزم أن القوى المُسيّرة للوضع في اليمن باتت بحاجة إلى وجوه جديدة، بعزيمة مقتدرة، غير محاربيها القدامى الذي نكِرهم الشعب وأنِف وجودهم، وهو ما أحالنا إلى ما نحن عليه اليوم، بموازاة ذلك، لا يمكن إغفال مطامع محيطنا الذي يفتقد للمقومات التي نمتلكها، وتحظى بها بلادنا على كافة المستويات، لذا اصطنعوا سيناريوهًا أسودًا؛ للإحاطة بنا والإطاحة بمقدراتنا والسيطرة عليها بمبررات واهية أسهمت فيها خلافاتنا النكراء وأدواتهم التي لا ترفض أمرا.
لا منطق لما يدور اليوم في بلادنا، ولا سبب يجنح للصواب، وحدها تضارب المصالح، واستخدام الأدوات الخاطئة للنيل من آخرين، وإنهاك قوى بعينها باحتراب بيني، أقحمنا في أتون صراع مرير لا عواقب له، ورغم ذلك ما زلنا كيمنيين شامخين، نقاوم كل أسباب الموت، ونقارع قوى النزق الداخلي، وهوامير الفساد والاسترزاق، ونتصدى لمشاريع الاستعمار المحسّنة، ونثبت أننا باقون على قيد الوجود، تمامًا كأرضنا التي اختلطت بدمائنا وتضحياتنا الجِسام.
ما كان للطيش الخليجي الموسوم بغرور الملذات، ونزغ السياسة الصبيانية أن يكوينا، وأعني هنا أولئك الذين تشدقوا بإنقاذنا، وتنطعوا بمساعدتنا، ثم سرعان ما انكشف القناع، وتأكد لنا حقيقة ما يريدون، فهم بوجه أو بآخر لا يملكون من الأمر سوى بعثرة كياننا اليمني، وأقصى ما تستطيعه قدراتهم العسكرية هو الفتك بالمدنيين والقوات الحكومية التي جاءوا لمساعدتها، وأهم ما تنجزه حنكتهم السياسية يتمثل في استنساخ مشاريع تزيد الوضع تعقيدًا عسكريًا وسياسيًا، ويسهموا بذلك في إيجاد حلول ترقيعية ومسكنات مرحلية تتمثل في اتفاقات عقيمة، لا تتجاوز توقيتها الزمني ومحيطها الجغرافي، وهذا أبشع سيناريو للحرب توقعه اليمنيون من جيرانهم المنُقذين الوهميين!
كلما وجدنا فرصة للحديث عن السلام، استحدثوا وجهًا للحرب، تارة بحدث يؤجج الصراع العسكري، وتارة بانتهاك جائر للإنسان اليمني، تمامًا كما يفعل الحوثيون بمصادرة الطبعة القديمة من العملة، وعدم وضع حل لهذا الجدل المستفيض والذي لا يدفع ثمنه سوى المواطنين، وعلى الضفة الأخرى ارتفاع هستيري للأسعار، وتدهور مستمر للعملة، وهذا أقبح ما في الحرب.
أما جيراننا المنقذون لنا فاكتفوا بحسب آلياتهم العسكرية التي استقدموها لصد مليشيا الحوثي، وفتحوا لهم المنافذ والأجواء لالتهام المناطق المتاخمة لهم، سواء بضرب الجيش الحكومي الذي يعترفون به بشكل أو بآخر، أو بمد الحوثيين بمعلومات استخباراتية فارقة تسهل من مهامهم، وهذا تمامًا ما حدث في مأرب، لا يُستثنى التحالف من تهمة كارثة مأرب وما ترتب عنها إنسانيًا.
إننا كيمنيين لا مفر لنا من السلام، فهو قدرنا الحتمي، وملتقانا في كل الأحوال، ولا أظن ذلك بعيدًا، فقط إن امتلكنا الإرادة الكافية، وانفككنا عن روابط التبعية، سواء في صنعاء أو عدن، وحينها سنصل إلى نقطة مشتركة نبني عليها مستقبلنا المرتقب.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل