مطلع هذا الأسبوع، عُثِر على الطفلة لجين "9سنوات" مرمية بجوار صندوق قمامة في صنعاء، وقد قطع لسانها، والتهمت الحروق أجزاء من جسدها الصغير، في جريمة جديدة توثق لطبيعة المرحلة التي أعقبت سقوط الدولة بيد الحوثيين.
هذه الجريمة الشنعاء، ستجد طريقها للتفاعل والتضامن عند عموم الشعب، لكن في بعض دهاليز السياسة، فالأمر يختلف كثيرا، إذ إن الجريمة تمر بمرحلة تحليل دقيقة من حيث جغرافية المكان الذي تقع فيه الجريمة ومن يسيطر عليه، وما إذا كان الفاعل ينتمي لطرف معين أو مواطنا عاديا، ومن ثم يتحدد مقدار التفاعل مع الجريمة وكيفية توظيفها سياسيا لتحقيق هدف معيّن.
الجريمة السابقة على سبيل المثال التي حدثت في صنعاء، سيختلف التفاعل معها سياسيا لو أنها حدثت في تعز، لأن هناك أطراف سياسية لها أجندة تتعلق بكل منطقة جغرافية على حدة، ففي أحيان يمكن استثمار الجريمة في تعز بشكل أكبر مما لو حدثت في صنعاء أو تعز، والعكس صحيح.
إن التعاطي مع الجرائم من منظور سياسي بحت لا يراعي المصلحة العامة، لا يعني إلا تكريسا لهدر مزيد من الأرواح، وتحويلها إلى سلعة سياسية أكثر من كونها جريمة تتطلب القصاص من المجرم وعدم منحه فرصة للإفلات، فليس من حق السياسي أن يسخّر دماء المواطنين وأرواحهم لصناعة أمجاد شخصية، ولنا في "حصانة صالح" خير مثال.
مما لاشك فيه، أن هناك جرائم بشعة تحدث في كثير من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتفوق في عددها وبشاعتها ما يحدث في مناطق نفوذ الشرعية كتعز ومأرب وشبوة، واقتناع المرء بهذا الأمر يجعله مهيأ لاستقبال أي جريمة في مناطق الحوثيين بتفاعل أقل مما لو حدثت هذه الجريمة في مناطق تتبع لسلطة الدولة، وهذه المعادلة على سوءتها إلا إنها تعكس ما يتطلع إليه المواطن من أمان في ظل الدولة، إذ شتّان بين سلطة الدولة وسلطة الميليشيا.
لكن الأغرب مما سبق، أن تجد السياسي يتابع ما يتسرب من جرائم في إب وصنعاء وغيرهما، ثم يمتدح حالة الأمن في مناطق الحوثيين ويذم عدم توفرها في مناطق الحكومة، مع أنه يعلم أن هناك جرائم كثيرة في مناطق الحوثيين يجري التكتم عليها، وجرائم أقل منها في مناطق الحكومة تجد طريقها للنشر والتداول، لكن منطق السياسة كما أسلفت يختلف عن منطق المواطن العادي، فالأول يغلب عليه الجانب البراغماتي بينما الثاني يغلب عليه التعاطف الإنساني.
وأنا هنا لا أدعو السياسي لعدم التفاعل مع أي جريمة تحصل، لكن ما أرفضه هو التوظيف السياسي، وهناك فرق بين أن تكون سياسيا محنكا تتفاعل مع الجرائم وتبذل جهدك لمساعدة الضحية وفضح المجرم، وبين أن تكون سياسيا تنتقي من الجرائم ما يخدم توجهك ومشروعك السياسي بعيدا عن حقوق الضحية وإنصافها.
في إحدى جلسات مجلس الأمن المتعلقة باليمن، رفع المندوب اليمني السابق لدى الأمم المتحدة صورة مؤثرة لطفل استشهد بنيران الحوثيين في تعز، والصورة تظهر طفلا فارق الحياة ودموعه تظهر بوضوح في وجهه، وموقف المندوب بقدر ما أظهر للعالم ما يفعله الحوثيون بأطفال تعز من جرائم يندى لها الجبين، إلا إنه طرح سؤالا بالمقابل عما فعلته الحكومة لحماية أطفال تعز من القصف الحوثي.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية