كان مشهدا مبهجا، ذلك الذي تجلت فيه حرية 75 مختطفا من أبناء مدينة تعز، بعد سنوات قضوها في سجون عصابة الحوثي، وبين ثنايا البهجة التي التمعت في الأعين، نبشت القصة من جديد؛ قصة آلاف السجناء الآخرين الذين لا يزالون في المعتقل الحوثي.
مبدئيا، لقد تحولت اليمن إلى سجن كبير، كحال مثيلاتها من بلدان الربيع العربي، بفعل حالة القمع الدموية التي أفرزتها الثورة المضادة، لكن قصة السجناء تبقى قصة مفصلية داخل السجن الكبير.
ماذا يصنع السجين داخل أربعة جدران تنعدم فيها الحياة الآدمية ويصبح رقما في خانة الآلاف ممن يشاطرونه العيش داخل هذه الجدران؟
يتقاسم السجين العذاب مع أهله، هو في زنزانته، وهم خارجها، هو يتمنى الخروج ليراهم ولو للحظة، وهو يتمنوا الدخول إليه ليروا ماذا تصنع به سنوات السجن، وهمزة الوصل بينهما سجّان تجرد من القيم الإنسانية قبل الدينية.
نحن الذين لم نذق مرارة احتضار الحرية، لا يمكن لنا أن نرسم صورة دقيقة لما يعيشه السجين من مآس تجز مشاعره كل يوم، إننا نملك الحرية في الفعل والقول والأكل والشراب، أما هو فلا يملك من الحرية إلا قدرا ضئيلا يحرك فيه بعض حواسه، أما أنفاسه وأقواله وأفعاله وملبسه ومأكله فلا يملك منها إلا بقدر ما يسمح السجّان، إذا لم يكن هذا اختناقا فماذا سيكون؟
ساعات يومه تدور في فلك السجان، يظل متأملا طوال الوقت يرقب الفرج أو ينتظر الموت، فلا يجد إلا الليل والنهار يعتملان في جسده النحيل ومشاعره المتضاربة، وقد أنهكه الشوق إلى أحبائه بقدر ما أبقاه صلبا لا ينكسر؛ إنه نقطة قوته وضعفه في آن واحد!
يشكّل التعذيب الجسدي والنفسي، وجبة أساسية وتتوفر للسجين طوال الوقت، وبأصناف متعددة، تتمايز بينها فيما تحدثه من آلام وآثار في نفسية السجين وجسده، وهناك قائمة بأصناف التعذيب الشائعة التي يمارسها الجلادون في اليمن: الصعق الكهربائي، والضرب على الرؤوس بأعقاب البنادق، والمنع من النوم، والتعليق، والتجويع، واستخدام الضوضاء والتقطير بالماء، والحرمان من العلاج، وإطفاء السجائر في الجسد، وغمر السجن بمياه قذرة، والأكل الملوث، وانعدام التهوية.
لقد سرقت آلة القمع الحوثية والإماراتية خيرة شبابنا، وحولت حياتهم إلى مدرسة عملية لتطبيق فنون التعذيب وابتكار أساليب جديدة، وأصبح السجن الذي كان مكانا يعج بالقتلة واللصوص، إلى مكان يكتظ بالأحرار والمفكرين والعلماء وحملة الأقلام، ذلك أن القتلة واللصوص أصبحوا هم من يتحكمون بالمشهد فكانت هذه هي النتيجة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية