سنة كاملة، أكملها اتفاق السويد، دون أن يحرز تقدمًا يُذكر، بل لم يتجاوز إطار محيطه الذي وقّع فيه، ليؤكد مجددًا أنه مجرد جسر عبور للحوثيين؛ من أجل تحقيق مآربهم، وتحقيق الأهداف التي لم يكن الوقت حينها كافيًا لتنفيذها كما يتطلب ذلك منهم...
لا يمكننا أن نعيش الوضع بعيدًا عن المغالطات التي بثها الحوثيون قُبيل المحادثات وأثناءها وبعدها، ملفوفة بمباركة الأمم المتحدة، وبحرص مبعوثها جريفيث، الذي خوّله الاتفاق بالإشراف المباشر على المدة الزمنية للتنفيذ، والعمل على تنظيم لقاءات مباشرة ضمن الفترة التنفيذية بين اللجان المتمخضة عن الاتفاق سواء في عمّان، أو في عمق البحر الأحمر، ولكن شيئًا لم يحدث، فقط صُرفت الأموال، وأسرف الطرفان في تنقلاتهما وفي تصريحاتهما الإعلامية التي لا تخلوا عن ضخ المزيد من عوامل استمرار الوضع على ما هو عليه، لا في الحديدة وحدها بل على مستوى البلاد.
ماذا سيقول جريفيث لعشرات الملايين من اليمنيين الذين تعلّقت قلوبهم بالمحادثات في ضوء التقدم الذي أحرز يومها؟
ما الذي سيقول لهم لقاء مشاعرهم التي ذهبت سدى؟
ما الرد الذي يجدر به أن يرد على الآمال المنسوجة يومها؟ وعلى الشغف الذي تحوّل إلى سراب؟
ما زلت على يقين بأن ما قاموا به لا يعدو عن مسرحية لها أبعادها، التي عشناها وما زالت واعدة بفصول أخرى، عنوانها خذلان اليمنيين، وصناعة المزيد من المعاناة والأسى، وكانت الحديدة أول فصول المسرحية، ولا تزال!
مؤلمٌ ومثيرٌ للغاية ما ترتب على اتفاق السويد وما نجم عنه بعد توقيعه، إذ استفرد الحوثيون بالمعركة العسكرية، وأوغلوا في استهدافهم للمدنيين في كل الحديدة، وأعادوا حصار المديريات التي خرجت عن إطار سيطرتهم، ونكّلوا بأهلها، ووسعوا دائرة اعتقالاتهم وانتهاكاتهم التي لا تتوقف في حق أبناء محافظة عُرف عنها السلم وجنوح أهلها دائمًا لكيان الدولة ومؤسساتها المعترف بها.
التزمت الشرعية بالبنود المتوافق عليها، وبالتهدئة الفورية، وهي التي كانت على مشارف مدينة الحديدة، وعادت قواتها إلى حيث كانت، كل ذلك في سبيل إنجاح الاتفاق، ونزولًا عن رغبة المراقبين الأمميين، الذين لم يحركوا ساكنًا تجاه ما ارتكبه الحوثيون من جرائم أثناء خروقاتهم المستمرة، واستهدافهم للمصانع والمنشئات الحيوية، بما في ذلك مطاحن الغلال التي باتت أطلالًا بسبب الاستهداف المتواصل لمخزون القمح فيها، وذلك إن دل على شيء إنما يدل على إصرار حوثي واستماتة لانتهاج كافة أساليب التنكيل باليمنيين، ضاربًا عرض الحائط بكل الاتفاقات والالتزامات الأممية، التي لا تعنيه بصريح أفعاله وممارساته في حق الإنسان اليمني.
باتريك كاميرت، ولوليسجارد، وأبهيجيت جوها، ثلاثة رؤساء للجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، الأول دخل في خلافات مع جريفيث؛ بسبب مماطلة الحوثيين وبطء تجاوبهم مع اقتراحاته، وصعوبة ردة الفعل الفاصلة من الأمم المتحدة، انتهى به المطاف لتقديم استقالته دون سابق إنذار، أما لوليسجارد فلم يكن مشواره استثنائيًا، بل توصل للنتيجة ذاتها التي خرج بها سلفه، وعلى ذات المنوال يمضي جوها، متنقلًا بين صنعاء والحديدة وعواصم أخرى؛ علّه يجد تعويذة يصل من خلالها إلى كلمة سواء مع الحوثيين، يحفظ بها ماء وجه الهيئة الأممية، ويحرك بنود الاتفاق الجامدة، وينفث الحياة في الاتفاق الذي لم يغادر ستوكهولم منذ توقيعه!
كم بدا المشهد عظيمًا، صفقت له القلوب قبل الأيادي، واغرورقت عيون المنتظرين بدموع الفرح، حين صافح ممثلو الطرفين بعضهم البعض، وتبادلوا الابتسامات والصور التذكارية، وتعالوا على اللغة السائدة بينهم منذ خمس سنوات، لكن ذلك لم يدم سوى دقائق محفوفة بالتصفيق الحار والمتواصل، وسرعان ما عاد كل شيء لسابق عهده، فلا اتفاق رأى النور، ولا بنوده أصبحت حقيقة ملموسة، بل أسس لمرحلة من الصراع والمواجهات التي راح ضحيتها نحو 3000 من أبناء الحديدة وضعفهم جرحى، عوضًا عن المحافظات الأخرى.
تتحمل الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة حول فشل اتفاق السويد، ودون شك يظل مبعوثها هو المسؤول عن تنفيذه وإعلان الطرف المعرقل وحشد القوى الدولية لمعاقبته وإخضاعه للشرعية الدولية كما فعلت في كثير من أحداث مشابهة، وإلا فإنها شريك فيما يجري، وإن توارت لتبدو وسيطًا مستقلًا يصنع التوازن!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل