بين يدينا الآن جريمة قتل- أو اغتيال- لقائد عسكري بارز، وأغلب الروايات تتفق على أن القاتل شقيقه، وأنه لا يزال على قيد على الحياة، لكن هذه الروايات المتعددة تختلف فيما يتعلق بالدوافع والمنفذ وما إذا كانت الجريمة جنائية أم سياسية، وهذا الأمر يجب أن يترك للجنة التحقيق التي ستتولى البت في القضية.
لقد تحولت جريمة استهداف اللواء عدنان الحمادي، من قضية يفترض أن تعزز من تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة الدسائس والمؤامرات، إلى مناسبة للمزايدات السياسية وإطلاق التهم بدون أدلة ملموسة، والدفع باتجاه تشتيت الجبهة الداخلية وخلق حالة من الفوضى.. لمصلحة من يحدث كل هذا؟!
إن المستفيد من جريمة قتل اللواء الحمادي، لن يكون محور تعز العسكري الذي كان يختلف مع الحمادي في أمور ثانوية ويتفق معه في أمور مهمة أولها مواجهة الانقلاب، ولن يكون حزب الإصلاح الذي ينظر إليه خصومه كحاكم فعلي لمدينة تعز؛ إذ أن مصلحته تتطلب-وفقا لهذه النظرة- إرساء الأمن في مناطق سيطرته لا زعزعتها وإهداء خصومه فرصة للنيل منه، ولن يكون الحزب الناصري الذي ينظر إليه خصومه كحزب مقرب من الحمادي يحاول استثمار دم الرجل لتحقيق مكاسب سياسية وتنفيذ أجندة خارجية.
إن المستفيد الأكبر من جريمة قتل الحمادي جهتان، الأول هي دولة عيال زايد، التي عملت منذ وقت مبكر لاندلاع الحرب على إيجاد موطئ قدم لها في مدينة تعز، واستخدمت أساليب عسكرية وسياسية متعددة لتحقيق هذه الغاية، وفشلت في ذلك على الأقل حتى الآن، ثم سعت لإيجاد موطئ قدم لها في مناطق ريف تعز المحاذية للخط الرابط بين تعز وعدن، من خلال التقرب من اللواء الحمادي بالتوازي مع حملة إعلامية لإبعاد اللواء 35 مدرع الذي يقوده الحمادي عن محور تعز العسكري في مقابل التقارب مع ميليشيا طارق عفاش التي تسيطر على الساحل الغربي لتعز، ويبدو أن مقتل الشهيد الحمادي سيكون فرصة ذهبية للإمارات للدفع باتجاه تعزيز نفوذها في ريف تعز، سواء كان لها علاقة بمقتله أو لا.
أما المستفيد الثاني، فهي ميليشيا الحوثي، التي تنظر للجريمة كنصر لها تحقق دون أن تخسر شيئا، وتعمل على تسويق الجريمة كصراع بين من تسميهم "المرتزقة" في إطار محاولاتها المستمرة لتفتيت الجبهة الداخلية لتعز، التي استعصت على الحرب والحصار اللذين تفرضهما الميليشيا منذ قرابة خمس سنوات.
لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنعي الرجل كقائد محنك واجه الحوثيين عند إطلاق الرصاصة الأولى، لكن نشطاء في هذه المواقع حملوها أكثر مما تحمل، وحولوها إلى منابر لإطلاق التهم دون الاستناد على دلائل تثبت صحة هذه التهم، كما أن البعض احتكر لنفسه حق المطالبة بدماء الشهيد، وأعطى لهوى نفسه الحق في تعيين لجنة التحقيق أو رفضها إن تتطلب الأمر، أما من شطحوا بعيدا فقد طالبوا بإعادة إحياء الرجل ربما يخبرهم عن تفاصيل اغتياله!
إن التحقيق في جريمة مقتل الحمادي يجب أن يكون نزيها وشفافا، وبعيدا عن أي مؤثرات لا صلة لها بالحقيقة التي يبحث عنها الجميع، سواء كانت الجريمة جنائية أو سياسية، وسواء نفذها القاتل منفردا أو بإيعاز من أصحاب اليمين أو أصحاب الشمال، نريد الحقيقة كما هي بلا نقصان وبلا مزايدات.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية