حالة الفساد المستشرية في مفاصل مؤسسات الدولة، ونهب المال العام لا يمكن إغفال الحديث عنها، في ظل حالة الغضب الشعبي، واستفحال البؤس الذي حفر عميقا في معيشة المواطن البسيط.
وفساد مسؤولي السلطة الشرعية بشكل عام ومسؤولي تعز بشكل خاص، والذي بقي حبيس الحسابات السياسية والمناكفات الحزبية، كان جرحى تعز أول ضحاياه، وهم الذين بذلوا أعمارهم وأرواحهم في خوض معركة مقدسة، وأخلصوا في الذود عن حياض الدين والوطن، وكافئتهم السلطة بالتخلي عنهم، وتركهم على قارعة الحرمان يتلوون من الألم ويمارسون الصراخ والتظاهر كأداة ضغط لتخفيف الألم، والتنفيس عن المشاعر.
الدولة التي يمسك بخيوطها ثلة من اللصوص والمنتفعين، يتصرفون فيها كأملاك خاصة، دون اعتبار لمعاناة وهموم الشعب الذي أوصلهم إلى مناصبهم، هل هؤلاء يستحقون صفة المسؤولية وما يترتب عليها من حرص ومحاسبة؟ وهل يرجى من دولة خير يتربع على مناصبها أمثال هؤلاء؟
المسؤول الذي يهز كرسيه منشور فيسبوك أو تغريدة تويترية، ولاتهزه صرخات الجرحى ومناشداتهم المتكررة، هل يستحق أن يبقى في منصبه، لو أن من هم أعلى منه يهتمون لمعاناة الجرحى؟
في أرض المعركة، تحمل الجرحى حرارة الصيف وزمهرير الشتاء، وواصلوا الليل بالنهار، وتحملوا نوبات الجوع، وكبتوا مشاعر الحنين، والتحفوا التراب، دفاعا عن القضية، بينما كان المسؤولون يتبجون بسوق الانتصارات وبيع الوهم وسرقة المال ونهب مخصصات الجرحى ومستحقاتهم.
لقد بحت أصوات الجرحى منذ زمن، وهم يجوبون شوارع المدينة بعكازاتهم المتهالكة، وبأطرافهم المبتورة، وبقسمات وجوههم الحادة، وبنبراتهم التي ألهبت الحناجر، وبأجسادهم التي تصدت للرصاص، ولكن آذان المسؤولين أصابها الصمم، وأعميت أبصارهم، عن سابق إصرار.
لقد صبر الجرحى كثيرا، ولو أن الناس ذاقوا بعض مرارة صبرهم، لكان لزاما عليهم أن يخرجوا بالأمس قبل اليوم، رفضا لظلم وفساد السلطة الذي نخر أجساد الجرحى، وأحالها إلى حالة مابين الحياة والموت، ولو كان الأمر للجرحى لعزلوا جميع من يمسكون بالسلطة، وأحالوهم للمساءلة والتأديب، ومعهم الحق في ذلك، ولكنهم مستضعفين تعرضوا للطعن مرتين؛ الأولى برصاص العدو، والأخرى بخذلان القريب.
ما تشهده تعز حاليا، من حراك شعبي ضد الفساد المستشري في معظم قطاعات السلطة المحلية ومكاتبها، يجب ألا يتوقف إلا بتحقيق تغييرات جذرية تقضي على منابع الفساد، ومن بينها الفساد المتعلق بملف الجرحى، الذين كان لهم الفضل في التصدي للعصابات الغازية من الخارج وفي تحريك المياه الراكدة داخليا لاجتثاث الفساد.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية