ما إن أتمت جماعة الحوثي المتمردة انقلابها حتى بسطت سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة، وحوّلتها إلى ملك سلالي يتوارثها قادة أبرز سلالاتها الذين توشّحوا بوشاح مظلوميتهم في صعدة، وبها انخرطوا في مؤتمر الحوار الذي انقلبوا عليه ونكثوا مخرجاته، واختاروا الملشنة والعداوة سبيلًا لبسط خيارهم العقائدي المستورد، وبذات الطريقة عمّموا تجربتهم الإقصائية على نواحي حياة مناطق سيطرتهم؛ إذ لا يكون إلا ما يرونه، ولا يتحقق إلا ما يناسب طريقتهم ويلاءم أفكارهم الانتهازية بامتياز.
يقبع الاقتصادي المعروف أحمد ثابت في أحد سجونهم، مواجهًا كل ظروف المعاناة بما في ذلك منعه من الحصول على أدويته اللازمة، دون أسباب تُذكر اختطف الرجل، وأودع السجن، وباءت كل محاولات الإفراج عنه بالفشل، وفي إطار إماطة اللثام عن وجهها الفعلي تواصل الجماعة مسلسلات انتهاكاتها، إذ أصدرت سلسلة إجراءات تجاه شركات صرافة لم تتجاوب مع توجهها الرامي لاستفراد محسوبين عليها بالسوق المصرفي كما فعلت مع آخرين من تجار ورجال أعمال لا ينتمون لفكرهم ولا يؤمنون بمعتقدهم ولا صلة لهم بمذهبهم أو سلالتهم، وهذه أسباب تحاول الجماعة تسويق غيرها بشكل يبرز هؤلاء كخائنين تارة وتارة كمبتزين ومحتكرين بإقصائهم سيعملون على إصلاح الوضع وتسويته، والعكس ما يكون دائمًا.
بجرأة المستبد، وأنانيته يواصل الحوثيون مسيرتهم الابتزازية، مصدّرين تجاربهم باسم الله، الذي ينسبون إليه تفويضه لهم للقيام بكل الانتهاكات والجرائم الصارخة، والله بريء منهم، والدين برمته، فهم لا يعدون عن كونهم متسلقين، وتجار دين، فصّلوا أفكارهم ومعتقداتهم بما يناسب عقلياتهم ومستوى فهمهم واتجهوا لإحراق البلد وهدم مؤسساته، وتدمير مكتسباته، ونهب ثرواته ومقدراته، وأنكى من ذلك تحويله إلى ساحة صراع مفتوح على كافة الأصعدة، وملعب لتصفية حسابات إقليمية، وزادوا أن تاجروا بمعاناة ضحاياهم وبما ارتكبوه بحقهم، وإلا لما تفشت الأوبئة، وارتفعت مؤشرات الفقر والجريمة، وبات البلد كله على كف عفريت، فيما تنتهز الجماعة كل ذلك ولا تدّخر جهدًا في رفد خزينتها المالية ومساندة جبهاتها بإغاثات المواطنين، ولنا في الحديدة وحجة أكبر دليل.
فصّل الحوثيون نظامهم بما يتماشى معهم، في سياق عصابة استرزاق لا أكثر، وأرادوا إذعان كل من يقع في نطاقهم الجغرافي بما يحقق لهم الهدف، فازدادوا طمعًا وجشعًا، وصوّبوا كل أسلحتهم تجاه من تسوّل له نفسه منافستهم أو حتى كشفهم، وقد دفع الصحفي محمد العبسي حياته ثمنًا لمحاولته كشف شركات النفط المستحدثة في صنعاء، والتابعة لهوامير من قادة الصف الأول في الجماعة المتمردة، وقس على ذلك العديد من رجال المال، منهم من أفلس قسرًا، ومن أبى قُضي عليه، وآخرون لجأوا إلى المداراة بما يضمن لهم شيئًا من شظف العيش!
لا ولن أصدق كل محاولات التلميع التي تبرزهم كسلطة مثالية بديلة للدولة، حتى وإن كانت الحكومة الشرعية في موقف لا تحسد عليه، إلا إن ذلك لا يمنح جماعة متمردة انقلابية صك الغفران، وهو ما تتجاهله الأمم المتحدة والكيانات المتفرخة منها، التي واجهت أصنافًا من الابتزاز بشكل أو بآخر، واتخذت الصمت - إلا في حالات نادرة- ممثلًا لها كموقف معلن تجاه المليشيا، وكأنها لم تفعل بهم شيئًا، بل ولم تحرك ساكنًا تجاه سرقات الإغاثة ومصادرتها، رغم رصدهم لحالات وفاة من شدة الجوع في مناطق سيطرة الحوثيين كحجة والحديدة، واكتفى غريفيث من زياراته ببيانات مفادها أنه أجرى مباحثات مبشرة، سرعان ما تتبعها الجماعة بقصف تعز كإشارة ترحيب بما صدر عن المبعوث الأممي!
لا بد من استمرار الضغط ما أمكن؛ لتعرية الحوثيين وتقديمهم للشعب والعالم على حقيقتهم كجماعة انتهازية إقصائية لا تقبل إلا ما يتماشى مع فكرها ويواكب معتقدها ويضمن صدارة سلالاتها وهذا ما لا يقبله جل اليمنيين ولن يرتضوه مهما كان الثمن.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل