كل حرب تنشب، لا يمكنها أن تبقى ذات شأن داخلي بين أطرافها، إذ سرعان ما تتدخل الأمم المتحدة كمنظمة فض وفصل، محاولةً وضع حد لها، وهو الظاهر في الغالب، وتلك المهمة العظيمة تكفّل بها بن عمر – المبعوث الأممي الأول إلى اليمن – الذي مهّد الطريق لانقلاب 21 سبتمبر، وكرّسه باتفاق السلم والشراكة، ولم يقدّم استقالته إلا بعد أن أخضع الحوثيون الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية!
بعدها بأيام، وحين مسك الحوثيون بزمام الأمور، وبسطوا سيطرتهم الميدانية، بدأت تقارير المنظمة الدولية التي تدق نواقيس الخطر، عن دولة باتت متهالكة، تنهشها الأزمات من كل جانب، و80% من أبنائها مهددون بمجاعة شارفت على الفتك بهم، وسخّرت الأمم المتحدة طاقاتها كاملةً؛ لإبراز المعاناة اليمنية، وتحوّلت منصاتها وقنواتها الإعلامية إلى الشأن اليمني، ونقل مجرياته بشكل دائم؛ لتجني مبالغ ضخمة؛ لتمويل مشاريعها المقترحة والرامية للحد من التدهور المعيشي الحاصل وإنقاذ القطاعات الخدمية الأساسية وفي مقدمتها الصحة، لكن الواقع يقول إلى حد كبير، أننا تعرضنا للابتزاز، واستخدمنا كأداة للحصول على تمويل لم تكن تحلم به الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية.
لم تستطع الأمم المتحدة، بجلالة قدرها، فعل شيء يُذكر لحلحلة الملف اليمني، ولا حتى فتح الباب أمام أي بوادر حل ممكنة، واكتفى المبعوثون الثلاثة بالتحليق عاليًا في سماء صنعاء وعدن، وطهران والرياض، ومسقط وأبوظبي والكويت وجنيف و ستوكهولم، وكل هذه المدن شهدت العديد من مخاضات التداول المستمر للوضع اليمني وضرورة وضع حل نهائي وعاجل، ولكن ذلك مجرد تداول كلامي، ولا أساس له على قائمة الفعل الأممي، الذي لا يتعدّى دوره الاستغلالي، ودون ذلك، نسمع جعجعة ولا نرى أثرًا لطحين!
شكّل الانقلاب على التوافق والإرادة اليمنية في صنعاء من الحوثيين، أهم اختبار للأمم المتحدة، ثم تلاه حالة الفوضى والصراع الذي اصطنعته ميليشياتهم على مستوى البلاد، وفشلت الأمم المتحدة في إيقافه أو صده، ووقفت موقف المتفرج إلا من حالات نادرة لا حكم لها، ظلّت وما زالت حبرًا على ورق، يتجاوزها الحوثيون ويدوسونها بانتهاكاتهم التي لا تخطر على بال أحد.
هذه منظمة استغلال، مهمتها ابتزاز الداعمين والممولين، ومغالطتهم بتقارير منمّقة، وعلى الأرض لا شيء مما تقول بأنها أحدثته، وإلا لماذا تطلب الدعم باستمرار، والناس يتحدثون عن فوضى في الاستهداف، وعن مغالطات في الوصول إليهم، وعن رداءة منقطعة النظير فيما يقدمونه لهم، حتى أن أغلب موادهم الإغاثية الأساسية تصل منتهية، إما بانتهاء تاريخ الصلاحية، أو بسوء التخزين، وهو ما يخرجها عن إطار الاستهلاك الآدمي، ومع ذلك لا يبالون، ويعملون على تسليمها للمحتاجين، الذين يضطرون لاستلامها؛ حتى لا تُمنع عنهم لاحقًا، وهكذا تسير دوّامة التدخل الإغاثي العاجل، ومعها كمية تجاوزات ومغالطات ساهمت في تعقيد المشهد الإنساني في البلاد، ولا يمكن إطلاقًا تجنيبها نوعًا من التفاهمات الجانبية مع الحوثيين الحاظين بامتيازات أممية عدة، كانت وما زالت بالنسبة لهم ترياق حياة!
إن مجانبة ما يجري شيء من البلاهة، ومحاولة التبرير له نوع من بيع الضمير، والعمل دون إظهاره أعتبره خذلانًا لملايين اليمنيين تستخدمهم الأمم المتحدة وتعتاش على حساب آلامهم ومعاناتهم.
نقترب من السنة الأولى على اتفاق السويد، الاتفاق الذي تمنّى له اليمنيون أن يرى النور، ولم يتحقق منه شيئا؛ بسبب عدم قدرة المبعوث الأممي على تحقيق تقدّم يُذكر، أو حتى تسمية المعرقلين، وتعريتهم أمام العالم، ما لم فإنه وبالنظر إلى ما يقوم به لا يمكن اعتباره سوى مسوّق لمشاريع منظمته التي تسترزق منها في اليمن بالتعاون مع الحوثيين، ولا يعنيهم أن تتوقف الحرب، أو ينفق اليمنيون عن بكرة أبيهم!
من الضرورة بمكان أن تكون الأمم المتحدّة منظمة ذات قرار نهائي، خاصة وأنها تملك من الأدوات ما يكفيها لفعل ذلك، لا أن تتحول إلى مُتّخذة، تستغل كل ما من شأنه أن يملأ خزائنها، ولا يعنيها ما يجري وإن تكرر ألف مرة.. فمن يُصلح اعوجاجها، ويفض عنها غبار الابتزاز والاسترزاق؟
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل