يربض الحوثيون على تخوم تعز، يحاصرونها ليل نهار، يستخدمون في مهمتهم المليشاوية كل ما يملكون من أسلحة، يصطادون الأطفال وهم يلعبون على أطلال بيوتهم التي دمرتها قذائف الموت، يقضّون مضاجع النائمين على مضض؛ من وقع قصفهم اليومي لأحياء المدينة المنهكة بآهات العناء.. إنّهم يتلذذون وهم يُنفذون كل ما يُطلب منهم على أكمل صورة، وعلى ذلك دأبوا منذ أول رصاصة أطلقوها صوب صدور أبناء الحالمة.
أذاقوا الناس ويلات لم يعتدها اليمنيون على امتداد تاريخهم، نصبوا النقاط العسكرية في طرق الخروج والدخول، وأنشأوا منافذ للتحكم، وفيها اخترعوا العديد من صور الألم، كل هذا انتقامًا من تعز، لماذا وعلامَ؟، لا يدرون، هكذا يريد أربابهم منهم أن يفعلوا، حتى رحلة الخروج من المدينة أو الدخول إليها باتت تحتاج إلى أكثر من خمس ساعات، مقارنة بدقائق في الوضع العادي، مرورًا بعشرات النقاط الممتدة؛ باحثةً متحرية!
هذا ما يدور في جنبات المدينة المحاصرة، أما منفذها الوحيد، الذي يصلها بعاصمة البلاد المؤقتة، فهو الآخر يذيقها معاناة إلى معاناتها، فالطرق الملتوية الغير مصانة، تضاعف من آلام الساكنين، الذين يبحثون عن لقمة العيش، واحتياجاتهم الأساسية الضامنة للبقاء، دونًا عن القذائف الحوثية التي لا تتوقف، وهذا وحده منطلقٌ صمودي يُبنى عليه الكثير في سبيل توحيد الصف الداخلي، ورصه لمزيد من الرباطة والتحمل؛ حتى تنكشف غمّة الحصار، ويصدر القرار السيادي بالتحرير الشامل لأكثر محافظات اليمن تضررًا من الحرب.
في الخاصرة، تبدو أوراق المدينة مبعثرة أكثر من أي وقت مضى، وهي الباحثة قبل أشهر عن قطرة ماء، واليوم عن أسطوانة غاز، وعمن يوقف الارتفاع الهستيري في أسعار البضائع واحتياجات العيد، التي ترتفع تدريجيًا تحت عذر إصلاح طريق هيجة العبد، وهي أيضًا – أعني تعز- الباحثة عن حقها في استنشاق هواء عليل، لا تكدره روائح القمامة المكدسة في شوارعها الرئيسة والفرعية، وعلى جنبات أحيائها، ومنها توزع الأوبئة المرضية الفتاكة، التي لا تبارحها من موسم لآخر، كبيئة خصبة، وبذات الطريقة التي تستهدف فيها مليشيا الحوثي أحياء المدينة المكتظة بساكنيها، تستهدف الأوبئة سكان تعز!
لا يبدو أن هناك همًا واحدًا، ولا رؤية واحدة؛ فالمحافظة التي ذادت عن نفسها بإمكانياتها الذاتية المحدودة، وسطّرت صفحة مشرقةً في سجل النضال والمقاومة ضد دعاة الموت والكهنوت، وقدّمت نفسها لليمنيين بوجهها الخالد، شاهدة على التاريخ اليمني، وعنصره التحوّلي الفعّال، لم يُكتب لكياناتها السياسية أن تتفق على مسار واحد لتسيير شؤونها، واستكمال متطلبات تحريرها، والانخراط معًا في بوتقة إعادتها كاملةً إلى حضن الجمهورية، والانتهاء من الدرس المعبّر الذي استمر بفعل ذوي الهمم العالية على مدى السنوات الماضية وما يزال.
من الواضح أن هناك من يريد لتعز أن تبقى على حالها؛ فثلاثة محافظين منذ بدء الحرب، وجميعهم لم يحققوا شيئًا يُذكر، سواء على مستوى الإدارة المؤسسية، أو تفعيل مؤسسات الدولة مكتملة، أو تطبيع الحياة، ولا حتى في سياق معركة التحرير الشاملة، جميعهم تاهوا في عراك بيني، ومعركة داخلية تصدرتها المناكفات السياسية، والمحسوبية والشللية، على حساب تعز وأمنها وهمها الأكبر المتمثل في تحريرها واستعادتها من المتمردين الحوثيين، المتربصين بكل من فيها دون استثناء، ونخب وقادة الرأي فيها، ينسلخون عنها، ويتصدرون واجهتها باحثين عن المناصب، ومشاريع الاستكساب، على حساب احتياجات الناس ومعاناتهم.
من يرضى للحالمة أن تكون بهذا الحال؟
من يقبل أن تبدو واجهة الجمهورية في عراك دائم على فتات ينتهي؟
من يتصور أن عاصمة الثقافة اليمنية، ومشعلها المنير، تتوه في أطماع ذويها ومصالحهم الذاتية؟
لا يقبل أحد أن يكون ضمن جماعة الخاذلين لتعز، وكيانها الكبير، لا يقبل عاقل أن يهين تضحيات آلاف الشهداء، وضِعفهم من الجرحى، الذين قدّموا أنفس ما لديهم، من أجل صلاح تعز، وإظهار وجهها الجمهوري، وتقديمها في أنصع صورة..
لن نقبل أبدًا أن نكون أدوات خذلان لتعز أو اليمن، من أجل إرضاء الحزب الفلاني أو الجماعة الفلانية أو سلالة بني علّان، سنظل أوفياء إلى الأبد، ووفاؤنا لتعز يتمثل في تصدينا لكل محاولات تشويهها، من مرتزقة تسلّقوا وباتوا ذا صيت، بين ليلة وضحاها، في سبيل وأد المشروع الوطني الجامع، مشروع اليمن الاتحادي الكبير.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل