تستميت جماعة الحوثي لتقديم نفسها كحركة تصحيحية لمسار الجمهورية الأعوج، كما يقول منظّروها، ويعملون بكل طاقاتهم للظهور بمظهر جمهوري بديل لكافة المكونات السياسية والجماهيرية الأخرى، وهذه محاولات مبتدعة تحاول بها الجماعة الإرهابية الهروب من مستنقع أفكارها الراديكالية التقليدية للغاية، والتي تحمل في جوهرها حق الحكم الإلهي، وحصره في بطنهم الهاشمي، المنزه عن كل النقائص، والمترفع عن الدنائس.
لكنهم بشكل أو بآخر، أوقعوا أنفسهم في فخ كبير، عندما تمردوا على كافة القواسم الجمهورية، ونقضوا العهود والمواثيق، وقفزوا على مبادئ وأسس الجمهورية اليمنية، وهدموا جل مكتسباتها الوطنية، واتجهوا على وجه السرعة لهدم مؤسسات الدولة، وتجييرها كميراث، تسابقوا على تقاسمه على حساب احتياجات الناس الضرورية، وهم الذين ظلوا عشر سنوات كاملة يسوقون مظلوميتهم، رغم قتلهم لستين ألف جندي يمني، خلال حروبهم الستة مع صالح.
مظلوميتهم المزيفة هي ذاتها التي أظهرتهم على حقيقتهم، حين عملوا جاهدين للانخراط سياسيًا، من باب المناورة والخداع، وفي ذات الوقت فعّلوا أدواتهم العسكرية؛ للانقضاض على روح ثورة فبراير، ومخرجات الحوار الوطني، التي أنصفتهم، وتعاملت معهم ككيان سياسي أكثر مما هو عسكري..
اتخذ الحوثيون من الارتفاع الطفيف في أسعار السلع والوقود، عذرًا فاضحًا للتظاهر المواري لأهدافهم غير المعلنة، وسرعان ما أماطوا اللثام عن مشروعهم الأسود، إذ تظاهروا بأسلحتهم، واقتحموا عمران ومن بعدها صنعاء، بنية السيطرة والابتزاز، وطمس الهوية الجمهورية التي كسرت جبروت أجدادهم الإماميين في ستينيات القرن المنصرم، لقد بدوا وكأنهم أعادوا الاعتبار للإمامة..
رغم محاولات تغطية ما فعلوه وكأنهم جمهوريون، لكن العرض العسكري للمليشيات المتمردة، بعيد اقتحام صنعاء وإحكام سيطرتهم عليها، أظهر قناعهم المزيف، وأبدى سوءاتهم التي حاولوا إخفائها بتوقيعهم على اتفاق السلم والشراكة، كمكون مدني من مكونات البلاد، بدا العرض خاليًا من أي ظهور جمهوري، لا علم ولا نشيد، وأعتى من ذلك أنه خروج فاضح على سلطات البلاد الشرعية، وتمرد مسبوق بالإصرار على مؤسسات الدولة السيادية، وهو ما حوّل الحادي والعشرين من سبتمبر إلى نكبة سوداء في التاريخ اليمني الحديث، بفعل الانقلاب الحوثي الحاظي بدعم إقليمي مبطن!
إننا نتمسك بالشرعية الدستورية، كخيار وطني داحض للافتراءات المليشاوية، وكمشروع جامع لكل اليمنيين، لا فضل فيه لأحد، لا بجنسه، ولا بعرقه، ولا بسلالته، ولا بمنطقته، ولا بمذهبه، وهو ما يدعونا للالتفاف حوله، وبذل ما نملك من أجل إتمامه حتى تُكتب للجمهورية عودةٌ كاملة، بمؤسساتها، ومكتسباتها، ومبادئها، وأسسها التي عليها قامت، وذلك لن يكون إلا بإيماننا الجازم بالجمهورية اليمنية، والعمل على مواجهة نزق المليشيا الحوثية بكل ما هو متاح.
أمام الموج الهائج للمليشيا، وأفكارها الإمامية الزائغة، لا بد وأن نكون كتلة واحدة، بمكوناتنا السياسية والجماهيرية والشبابية، لا بد وأن نتحلى بمظاهر الأخوة والتلاحم الوطني أمام هذا المشروع الانقلابي التفكيكي المدمر، الذي تعمل قوى بعينها على إحيائه كلما أوشك على الانهيار؛ لأنه يشكل لها مسار عبور لتحقيق مصالح ضيقة، على المستويين المحلي والإقليمي، وهو ما يستوجب علينا الوقوف في وجهه؛ حتى يكتمل العبور إلى الجمهورية الثانية، بوجهها الشبابي المشرق.
قد لا تُعد الحكومة الشرعية خيارًا مثاليًا، لكنها تبقى خيارًا ممكنًا، يمكن إصلاحه، وتصويب مساره؛ من أجل الجمهورية المتكئة على تضحيات أبطالها في الجيش الوطني، من لاذوا بالجبال والبحار والسهول؛ ذائدين عن حمى وطنهم، ومنفذين للمهمة الأسمى، وهي إعادة الاعتبار للجمهورية اليمنية، وإتمام رحلة العبور التام نحو الجمهورية الثانية، التي لا مكان فيها للأفكار الهدّامة، والمشاريع السلالية الطائفية، ومحاولات القفز على المكتسبات الوطنية الجامعة.
إن حكومتنا الشرعية، بمؤسساتها الحالية، تظل الأجدى والأحرى، بمساندة سيادية، ووقفة جادة من تحالف دعم الشرعية، لإنجاز ما تبقى من مشروع التحرير الوطني، الرامي لاستعادة كافة محافظات البلاد، وإنقاذها من الاحتلال الحوثي الإرهابي، ولإكمال دائرة العبور إلى الجمهورية المنتظرة، ضمن يمن اتحادي جامع وضامن لحقوق اليمنيين دون تمييز أو محاباة.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل