كلما سمعتُ أقوالا تتحدث عن تفرد أهالي محافظة "إب" بالطيبة، وتميّزهم بالسماحة ولين الطباع؛ تأتي الأحداث تباعا لتعزز يقيني بتلك الحقائق ..
هي ليست مبالغة؛ فسمات الناس علمٌ مرتبط بالمكان والبيئة التي وجُدَ فيها أولئك الناس. طبيعة المكان تساهم في تكوين حياة الناس في أشكالهم وسلوكهم وطريقة تفكيرهم، كما تطرق لذلك العبقري "ابن خلدون"- مؤسس علم الاجتماع.
ليس بعجيب أن يصطف هؤلاء البسطاء، والمحرومين من أدنى مظاهر القانون، مع الجانب الأقل سوء من المليشيا، في سعيها لفرض شكل من أشكال الدولة. ويجرفهم التطلع لهذا، متناسين أننا أمام عصابة مركزها محافظة "صعدة"، ولن يسري قانون سوى قانون العصابة.
ليست المرة الأولى التي تشتعل فيها معارك الصراع الداخلي للمليشيا في "إب"، معكرة سماءها الهادئة بأصوات الرصاص والبوازيك.
ليست المرة الأولى التي تحدث فيها معارك تصفيات الحساب، وفرض السطوة على خصم، في ذات خندق الاجرام على المدينة. وليست المرة الأولى التي يحدث فيها ضرب للرؤوس ببعضها، والتضحية بكباش فداء، لفرض هذه السطوة المتسلطة.
ولن تكون الأخيرة في إب؛ فهكذا هي شريعة عصابات اللصوص والمناصب وسرقة خيرات المحافظة..؛ ستظل الرؤوس تضرب بعضها، في سباق رأس من يعلو أكثر! وكل رأس يرتفع، سيُجزّ جزاء وفاقا.
يجب أن يعي متحوثو "إب"، أنهم ليسوا إلا أدوات وقتية، لا قيمة حقيقية لها، وأنهم مجرد واجهة لصورة الدولة التي تريد مليشيا السلالة الظهور بها. وما أن يخالف أحدهم الخط المرسوم لـ"خيال المآتة"، سيزاح في أبشع تنكيل..!!
لم يصل البعض يقين "قانون الأفضلية"، وتقسيم أولوية الوجود بالنسبة للحوثيين. هذا اليقين الذي يفترض به أن يجنب مشايخ العار السقوط في رذيلة بيع الجمل بما حَمَل.
سيظل القادمون من شمال الشمال، من العائلات النافذة للحوثيين، هم الاصطفاء وأصحاب الكلمة الأخيرة. بعدهم يأتي حوثيو المناطق الوسطى، الذين يعتبرون هم وأبنائهم وقود معارك. ثم أخيرا، يأتي "القش الرخيص" من المتحوثيين في الدرك الأسفل من الأهمية، والذي يشتعل لأدنى هبة نار، أو شرارة، ليسخن به فرن الانصهار.
هذا الشكل الهرمي، لعنة المجتمع اليمني، منذ وطأت أقدامهم (الأئمة السلاليين) أرض اليمن، وحملناهم على ظهورنا أولياء لله، وسادة على أرضنا..!
أما أضغاث أحلام الدولة، التي تتراءى لطوابير المصفقين والمشجعين، فإنها، في نهاية المطاف، تنقلب كوابيسا مروعة..!!
ولن تتبقى سوى حقيقة واحدة ثابتة: أن مدينة "إب" الساحرة قدمت أغلى التضحيات من روحها وخيراتها من أجل سلام أبنائها، وليس العكس.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية