هناك أحداث تكون قوية في تأثيرها، لدرجة تفرض معها سيطرتها على عناوين الأخبار في وسائل الاعلام العالمية، وتصبح محل اهتمام الإنسان في القارات الخمس، ومن بين الأحداث التي فرضت نفسها استشهاد الرئيس المصري محمد مرسي، داخل السجن الزجاجي المنتصب داخل قاعة المحكمة.
اغتيال مرسي الذي يعبّر عن روح التجربة المصرية والعربية التي أفرزها الربيع العربي، شكّل صدمة حقيقية للشعوب الإسلامية، ونكأ جراح الفقدان والشعور بالقهر الذي أفرزته الثورات المضادة، غير أن هناك من يرى في التعاطف مع مرسي جريمة نكراء أو مادة للتندر والمزايدة على الآخرين والطعن في وطنيتهم، انطلاقا من نظرة ضيقة هندستها اتفاقية سايكس بيكو قبل قرن من الزمن.
لقد أفرزت التحولات العاصفة في عالمنا العربي، حالة انكفاء على الذات، وعزلة شعورية عن الإحساس بآلام الآخرين، وأصبح التعاطف لا يتعدى حدود الدولة ولا يتجاوز الهوية القومية للفرد، وهذه الآفة المنكرة يزعم أصحابها أنها معيارا حقيقيا لقياس وطنيتهم التي تفوح منها رائحة نتنة، لافرق بينها وبين العصبيات التي كانت موجودة قبل الإسلام.
من المنشورات التي وجدتني أقرأها وأكاد أبصق على سطورها، تلك التي استنكرت على الناس تعاطفهم مع قضية مرسي، وطلبت منهم توفير تعاطفهم مع أبناء جلدتهم ممن طحنتهم الحرب. وهنا أسأل: أليس الإسلام هو المعيار في التعاطي مع قضايا المسلمين أينما وحيثما كانوا؟ وإذا لم يكن أبناء مصر وسوريا والسودان وفلسطين وتركستان والروهينغيا وقد جمعتنا بهم رابطة الإسلام أبناء جلدتنا، فمن هم أبناء جلدتنا إذن؟ لماذا لايعيبون على الغرب اهتمامه بأوضاع الأقليات المسيحية في شتى بقاع الأرض، ويعيبون على إنسان مسلم يتعاطف مع أبناء أمته الذين يتعرضون للظلم والاضطهاد من المحتل الغربي وكلاب صيده؟
إنه لخزي وعار، أن يهتم الفرد بأخبار أندية كرة القدم، ومشاهيرها، ويهتم بأخبار المطربين والساقطات وماذا أكلوا وماذا شربوا، فإذا ما وقعت مجزرة رهيبة تهتز لهولها الأنفس، أو استشهد بطل في ميدان المعركة، وتناقل الناس الخبر في صفحاتهم ومجالسهم تعلو محياهم مسحة حزن، نجد هذا الفرد يسارع إلى السخرية منهم وتذكيرهم بأن يوفروا عواطفهم لأبناء وطنهم، وهو نفسه من يبكي ويتحسر إذا هزم فريق رياضي أو توفيت مطربة مشهورة وهو نفسه من يطلب منا الكف عن التعاطف والنشر عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية تهم تمس مشاعر ملايين المسلمين!.
إن ما نطلبه من ذوي العاهات الفكرية والتعصب الأعمى للمسميات الوطنية، إن يتعاملوا مع معاناة المستضعفين من المسلمين، مثل تعاملهم عندما يتعلق الأمر بخسارة فريقهم المفضل مباراة كروية جرت في أقصى غرب الأرض، وإني لأعجب كيف تتوحد المشاعر حول كرة صماء، بينما تعجز عن الالتفاف حول الدم المراق في اليمن وسوريا وليبيا وميانمار وأفغانستان؟
إن التفاعل مع الأحداث والتعاطف مع قضايا المستضعفين، هو أقل مايمكن لمواطن أعزل أن يقوم به، ومع ذلك تجد من يطلب منا أن نصبح دمى فاقدة الإحساس، وألا نتدخل في شؤون الآخرين ظنا بذلك أنه يحسن صنعا، في حين أنه يسوّق لمبدأ التقسيم الذي صنعه المحتل الغربي لأوطاننا قبل عقود.
وأختم مقالي بكلمات معبّرة كتبها الدكتور محمد الشنقيطي، إذ يقول:" أحشرْ أنفك في كل قضية فيها ظالم ومظلوم، واضربْ عرض الحائط بكل جاهل ضيِّق العطن، متعصب للأرض والوطن، يقول لك إن ذلك لا يعنيك. الحق أن كل مظلمة تعنيك، ولو كان المظلوم على سطح المريخ، فكيف إذا ربطتك بالمظلوم أرحام الدين والدم".
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية