أربع سنوات ونيّف، ولاتزال مدينة تعز ترزح تحت حصار جائر وحرب لاتزال تداعياتها الكارثية تحصد مزيد من الضحايا، ومع ذلك يلوح في الأفق بصيص من أمل بين حين وآخر رغم محاولات حثيثة تجري ولا تزال لإطفائه.
المعركة الأخيرة التي يخوضها الجيش الوطني مع ميليشيا الحوثي وبقايا قوات صالح، تظهر رغبة حقيقية للمدينة وأبنائها في التحرر والخلاص من الحصار الحوثي، وهي أيضا رسالة تكررت كثيرا للسلطة الشرعية يفترض أن يكون الرد عليها عمليا بتسليح الجيش بالأسلحة الثقيلة واللازمة لتحرير ماتبقى من المدينة، بدل برقيات الشكر والإشادة الجوفاء التي لا تساوي كلها قطرة دم واحدة تراق في تراب المدينة.
عندما يثعب الدم المتدفق من جسد جندي يرابط في ثغور المدينة، وترتقي أرواح آخرين في جبهات شتى، ثم يأتي مسؤول كبير في الدولة ليشكر الدولة الفلانية على ما قدمته في المعركة وينسى الدم المراق، وهو يعلم أن هذه الدولة لم تقدم شيئا سوى الخذلان والتآمر، ويعلم أن الجندي بذل دمه وروحه، ماذا يمكن لعاقل أن يسمي ذلك؟
تعاني دول الجوار خاصة الإمارات والسعودية من فوبيا الثورات الشعبية، ولعبتا دورا رئيسيا في قيادة وتمويل الثورات المضادة، ولذلك لايمكن بحال من الأحوال التعويل على تحالف يتصدره هاتان الدولتان، في تحرير مدينة ثائرة من ربقة الإنقلاب الحوثي إلا في حالة أن يفضي هذا التحرير إلى إخضاع المدينة لإحدى الدولتين، وهذا الأمر مرفوض شعبيا، إذ لاجدوى من تحرير المدينة وتسليمها لطرف خارجي يكون له يد طولى في تقرير مصائر أبنائها !
لو لم تكن تعز مدينة ثائرة، ربما لكان الأمر مختلف، ولما كان من نصيبها أن تصبح قطاع منفصل كما يراها وزير الدفاع في تصريحات قديمة تعود للعام 2015، ولما كان من نصيبها أيضا أن تصبح عرضة لمؤامرات تنخرها من الداخل على مدار ثلاث سنوات خلت، نجحت في مرحلة معينة في تحويل المدينة إلى ساحة حرب بين الدولة وجماعات مدعومة من الخارج، ولما كان من نصيبها أن تحاصر برضا من التحالف الذي منع عنها الأسلحة الثقيلة، ويقف حاجزا بينها وبين التحرر والانعتاق، ويتاجر بها إنسانيا في المحافل الدولية.
التحالف يبحث عن مدن سهلة المضغ، والمدن الثائرة يصعب ابتلاعها. انظروا ماذا صنعت الإمارات والسعودية في المدن الثائرة قبل أن تبرق أقلامكم بالثناء على دعم محدود قدمه التحالف لتعز لايكفي لحسم المعركة، بقدر ما يكفي لإبقاء المدينة في حالة بين السقوط والتحرر.
دولتا الإمارات والسعودية اللتان جاءتا لنجدة الشرعية في اليمن، هما نفسهما الدولتان اللتان شاركتا ضمن تحالف صليبي لإبادة مدن السنة الثائرة في العراق وسوريا وليبيا، وكان طبيعيا أن يسقط المال والسلاح الخليجي مدنا كانت في طليعة الثورات العربية، فسقطت بنغازي مهد الثورة الليبية في حضن حفتر والآن يراد لطرابلس أن تكون كذلك، وسقطت درعا مهد الثورة السورية ومن قبلها حمص في حضن الأسد والآن يراد لإدلب أن تكون كذلك، وسقطت الفلوجة والموصل في الحضن الإيراني نكاية بدورهما في التظاهر ضد حكومة نوري المالكي.
وبعد كل هذا الخراب الذي طال مدن الثورة برعاية إماراتية سعودية، عقابا لأبنائها الذين ثاروا ضد حكومات وأنظمة مستبدة فاسدة، هل يعقل أن تكون تعز مهد ثورة اليمن حالة استثنائية من العقاب السعودي الإماراتي ضد المدن الثائرة؟ وهل من المعقول أن نعوّل على تحالف الثورة المضادة في تحرير مدينة ثائرة؟ ألم يتآمر التحالف على تعز طوال سنوات الحرب وحاول إسقاطها من الداخل أكثر من مرة؟
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية