في أربع سنوات من الحرب، تحوّلت اليمن إلى ساحات كبيرة لمعامل تجارب من الدول الكبرى وأدواتها الإقليمية، والمنظمات الدولية ذات الأبعاد الاسترزاقية في كل حرب تندلع، إذ تعمل على إذكائها؛ لضمان استمرارها بوتيرة ما حتى تتمكن من الحصول على فوائد جمة، وهو ما حققته لهم حرب اليمن إلى الآن!
تجرب دول التحالف الشقيقة، والتي تدخلت من باب الإنقاذ، وإعادة الشرعية الدستورية، تجرب أسلحتها الخاملة منذ حرب الخليج، وتعمل على استنفادها، في عملية استنزافية تقودها الولايات المتحدة -أكبر مستفيد من صفقات السلاح لدول النفط- وذلك من خلال آلاف الطلعات الجوية، التي بدت في بداية العمليات العسكرية جادةً فيما هدفت إليه، لتتحول في وقت لاحق إلى طلعات فاقدة للنوعية وتحديد الهدف.
كذلك الحوثيون أيضًا، نفذوا مهمة جسيمة، تمثلت في إنهاء وجود الجيش اليمني، واستبدلوه بميلشياتهم القبلية، التي تعاملت مع الدبابات والصواريخ كألعاب استهدفت بها آلاف الأبرياء المدنيين في عموم البلاد، وزادت على ذلك بطمس هوية الجيش، وتحويله إلى أداة سلالية، ينفذ الرغبات، ويلبي أوامر ذوي العرق الإلهي والطبقة السيادية!
وبين جحيم التجارب هذه، التي بدأت باستنزاف الإقليم، وتقليم أظافر الدولة اليمنية المتشكلة عقب ثورة فبراير، بواسطة الانقلاب الحوثي، حُوّل اليمني إلى كائن هلامي من الأغشية النباتية، فإلى جوار ما يعانيه، وإلى جانب الحرب التي يواجه ويلاتها وآلامها، بات اليمني محط أنظار المنظمات الدولية، التي سرعان ما بدأت رحلة المتاجرة بما يعانيه، وسوّقت الأزمة اليمنية كأسوأ أزمة تمر بها الإنسانية العالمية، وإذ صدقت في تسويقها عن الأزمة، فإنها كذبت في تلمس احتياجات المستفيدين والمعنيين خلال الأزمة، وأحالت الوضع إلى مضاربة كبيرة بين شركاء التنفيذ المحلي، الذين عملوا تحت شعار "إغاثة بلا حدود" وهو شعار لا أساس له على الأرض، ووحده الإعلام ونوافذ التواصل الاجتماعي من حشدت واحتشدت ليكون ذا حضوري صوري لدى الداعمين والمانحين.
مؤلم أن تتحول المعاناة اليمنية إلى أداة ابتزازية لدى المنظمات اللا إنسانية، وأكثر ألمًا أن تجد تلك المنظمات أدوات محلية تساعدها لتتمكن أكثر في تحقيق مآربها، وهو ما بدا جليًا خلال الصراع البيني الكبير بين مؤسسات تدعي أنها تنموية اجتماعية: أيها يحظى بنصيب الأسد من منح المنظمات الدولية؟ ووصلوا إلى حد تقسيم نسب مئوية لمن سيرسي عليهم صفقة من صفقات الإغاثة الدولية، وذلك على حساب أنين اليمنيين وبطونهم الخاوية!
عرّت حملة #أين_الفلوس منظمات الاستنزاف ومؤسسات الاسترزاق، وطالبتها بفتح كشوفات حساب، بما يردها وما تصرفه بندًا بندا، وهذا من حقنا كيمنيين معرفته والاطلاع عليه؛ فكل ما يتم منحه لها هو لنا، وما هي إلا وسيط منظم لإتمام العمل، وضمان عدم اختلاله، وكذلك إيصاله إلى مستحقيه، بمعايير تحددها بالتعاون مع السلطات واللجان المجتمعية المتخصصة في هذا المجال، بعيدًا عن الوساطات والمداهنات وأشياء أخرى يتدخل بها مسؤولون على مستوى عالي لهم بصمتهم في حراك المنظمات ولهم نصيبهم أيضا..
لم تُستثنَ المناكفات الحزبية من سباق الإغاثة، وأنشئت مؤسسات لأجل ذلك برعاية حزبية محضة، لا مهمة لها سوى انتقاء أنصار الحزب الفلاني والعلاني، ومدهم بكافة المعونات الإغاثية، دونًا عن المحتاجين، حتى أننا دفعنا فاتورة مثل هذه التصرفات بتلف آلاف السلل ونهب أمثالها والتقطع لذات العدد أيضًا، وكل ذلك بسبب العراك الحزبي على لقمة عيش المحتاجين، والدخول في مهاترات على احتياجاتهم وأدنى مقومات حياتهم، وتجلى ذلك في نهب الحوثيين وتصديهم لمساعي الوصول إلى مناطق بعينها، واحتجاز الشاحنات، ومصادرة الحاويات التي تحمل المعونات وتحويلها إلى مجهود حربي أمام مرأى ومسمع المنظمات الدولية وبتعاون كامل من المنفذين المحليين الذين استخدموا كأدوات تنسيق وتسهيل لإتمام مثل هذه المسرحيات الهزلية.
تحويلنا إلى أداة تسويقية والمتاجرة بمعاناتنا جريمة شنعاء في حق الإنسانية التي يدعون بأنهم رعاتها، إضافة إلى أنهم مبتزون على مستوى عال، فهم لا يجدون من يردعهم أو يقف في طريقهم من ذوي القرار، وهو ما يقتضي مضاعفة الجهود الشعبية؛ حتى يصل الحق إلى أصحابه.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل