يحاول الحوثيون منذ بدء الحرب تسويق المعركة اليمنية على أنها بين اليمن وبين تحالف عسكري سعودي إماراتي، وصرف النظر عن كونها معركة رئيسية بين سلطة شرعية يمثلها الجيش الوطني وانقلاب مسلح يتمثل في ميليشيا الحوثي وقوات صالح التي انضوى عدد كبير منها عقب مقتله ضمن الإطار الحوثي.
يبدو أن الحوثيين يحققون تقدما في تسويق روايتهم للخارج والتي تتعلق بتحديد طرفي المعركة على أنها بين اليمن ودولتي السعودية والإمارات، وهذه الرواية يعززها "التحالف العسكري الداعم للشرعية" من خلال ممارساته الإحتلالية والهمجية في المناطق المحررة، بما يخدم الموقف الحوثي ويقوض سلطة الحكومة الشرعية التي يتصدرها غثاء لايملكون قرارهم.
لعبت السعودية والإمارات دورا كبيرا في إسقاط العاصمة صنعاء بأيدي الحوثيين، كما لعبتا دورا مهما في إعادة تأهيل الميليشيا الحوثية سياسيا وعسكريا خلال الحرب الجارية، بما يجعل هذه العصابة جزءا لا يتجزأ من المشهد السياسي والعسكري في أي اتفاق سياسي قد يتم التوصل إليه في قادم الأيام.
ففي إطار التأهيل السياسي، لعبت الدولتان دورا مهما في منح الحوثيين فرصة للظهور السياسي كقوة سياسية يمكن التفاوض معها، رغم علمهما بتنصل الحوثيين من جميع الاتفاقيات السابقة مع الحكومة واستقواءها بالسلاح في فرض إرادتها، وشكّل قرار إيقاف معركة الحديدة من قبل الإمارات بعد أن كان الجيش على وشك دخولها، ضربة قاصمة لاستقلالية قرار السلطة الشرعية، وأظهر الحوثيين كقوة ندية تؤمن بالتفاوض بعد تنصلها من مشاورات جرت في جنيف ومن بعدها في الكويت، وكانت النتيجة أن اتفاق ستوكهولم الذي ربح فيه الحوثيون أصبح ورقة تتاجر بها الميليشيا لتسويق نفسها سياسيا أمام الخارج.
أما التأهيل العسكري، فيمكن للمتابع استشفافه من خلال فترة زمنية عريضة، شنت خلالها مقاتلات التحالف غارات جوية على مواقع محددة للحوثيين، بالتزامن مع عرقلة مسار بناء المؤسسة العسكرية والأمنية وإنشاء ميليشيات مسلحة متصادمة مع المشروع الوطني وتدين بالولاء للإمارات أو السعودية، وإيقاف معركة الجيش الوطني في تحرير الأرض ومنعه من التقدم في جبهات معينة انطلاقا من حسابات سياسية وعسكرية للتحالف.
وبينما كان التحالف يتفرغ للقضاء على الجيش الوطني وينشئ الجيوش الموازية الموالية له من مرتزقة محليين، ويصادر القرار الشرعي لإذلال الشرعية وابتزازها وإثبات عجزها أمام العالم أجمع، كان الحوثيون يلتقطون أنفاسهم ويجهزون أنفسهم لمعركة استنزاف مع السعودية لا تقتصر على الصواريخ البالستية فحسب، وإنما الطائرات الإيرانية المسيّرة التي حققت حتى الآن نجاحا في الوصول إلى أهداف معينة داخل السعودية وأظهرت هشاشة الدفاع الجوي السعودي في التعامل معها، علما أن الجيش الوطني أسقط عشرات من هذا النوع من الطائرات في حجة وصعدة والضالع ومأرب.
هجمات الطائرات المسيرة الأخيرة على السعودية، ووصولها إلى الرياض، كانت رسالة إيرانية قبل أن تكون حوثية، وبغض النظر عما إذا كانت قد أطلقت من اليمن أو من سفن إيرانية في الخليج العربي، إلا إن الحوثيين نجحوا في تسويقها عسكريا وإعلاميا، وهذا النجاح ما كان له أن يكتب لو أن التحالف السعودي الإماراتي تعامل مع اليمنيين كشركاء معركة في مواجهة عدو واحد، وليس مجرد أتباع له في مصائرهم اليد الطولى والكلمة الفصل!
هجمات الحوثيين وتصعيده العسكري الأخير وتلاعبه المتكرر باتفاق السويد برضا الأمم المتحدة، ليست سوى نتاج طبيعي لعملية تأهيل سياسي وعسكري للميليشيا أسهم فيها النظامين السعودي والإماراتي، الخاسر الأول فيها هو الشعب اليمني .
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية