في كل مناسبة تجمعه برفاقه، يُصِرّ على الحديث عن المأدبة الفخمة التي جمعته بعالي المقام "فلان"، ذو الشخصية الرفيعة، ويشرع بحركة استعراضية متراخية بفتح هاتفه ونبش الصور ليريهم صورته مع فخامته ..
بمرور الأيام، اعتبر الحدث الخالد هذا أهم منجز في حياته، بل صار جواز عبور له في تعاملاته. لم يكن يعرف أن أيام الوقوف مع العظماء قد ولّت، وكانت فعلا أمرا عظيما يستحق الفخر، وما تبقى منهم فلن يكون متوفرا لالتقاط الصور..
أما التهافت للوقوف جوار زعماء المرحلة الكرتونية، ما هو إلا مجلبة للخزي والتندر. فهذا الزمن الأغبر أزاح هالة سطوة الشخصية عن الكثير. بل أن الريح الخبيثة جلبت كل هش للصدارة، ومكنت كل فاشل من زمام الأمر. وأصبح إغراء المركز والمنصب والشهرة شباك صيد للذباب وضعاف النفوس.
ومع هذا تجد من ما يزال يرى لألقاب المناصب هالة مؤثرة، فيما يشبه إغراء السلع عند عشاق التسوق.. عشاق الصور بقرب الساسة انتكاسة بسلعة رخيصة.. إنه العرض الجيد لسلعة سيئة.
لا فرق بين التهافت على السلع الرخيصة، والتهافت على الصور مع الشخصيات السياسية أو الشهيرة. إنه إغواء آخر، ينضم لإغواء المادة والسلعة، هو إغواء الشخصية التي تصنعها الأقلام والكلام، وليس الأفعال المؤثرة..!
لم تعد الشخصية المؤثرة (الكاريزمية)، هي التي تفرِض ذاتها بعفويتها، وانقياد الناس لتأثيرها؛ بل تُخلَق هذه الهالة للشخوص بمجرد النفخ، وتُنسَف بدبوس..!
غالبية الناس تتمنى أن تكون شخصية جذابة؛ لكن القلة هم الذين يصلحون لهذه المرحلة، لما لهذه الشخصية من تناقض مع طبيعة البشر التي تعشق الأثرة وحب النفس..
"يشير علماء النفس، إلى أن أصحاب الشخصية الاجتماعية المحبوبة، يظهرون دائماً سعادة حقيقية بلقاء الآخرين، ويحترمون أفكارهم وآراءهم، ويصغون إليهم باهتمام، مما يجعلهم محل اهتمام واحترام من الآخرين، كما لا يدخلون معهم في منافسات مالية أو فكرية أو اجتماعية، حتى لا يشعر الآخرون بضعفهم، فتتولّد الكراهية والرفض المتبادل، كما أنهم يحفظون الأسماء لاستخدامها عمداً، لما لترديد الأسم من قيمة معنوية ومؤشر على الاهتمام، كما نجدهم يتمتّعون بقدر من الثقة بالنفس، يجعلهم يكشفون عن بعض نقاط ضعفهم دون خوف"
يحدث كثيرا، أن تسمع كلاما ومديحا في شخص ما، فتحبه النفس قبل معرفته.. وما قصة "أم عمر" في التراث إلا مثالا لهذا الشغف السماعي، "والأذن تعشق قبل العين أحيانا"..
وفي المقابل، يحدث أن تقرأ لشخصيات مؤثرة كلاما ساحرا، ينزلق إلى القلب مباشرة؛ لكنك تجدهم في واقعهم شخصيات منفرة، لا يعرف السحر طريقا لألسنتهم كما أقلامهم..!!
ويمكن أن يكون العكس؛ بوجود شخصيات صارمة في كتاباتها وظهورها؛ لكنها في طبيعتها وواقعها سهلة الطبع لينة المعشر..
هذه الهالة لإغواء الشخصية، ليست سوى فخ من فخاخ المعرفة، يقطعها القرب والمعايشة..
"ربما تفتنك شخصية ما، حد الرهبة؛ لكنك لو قابلتها لوجدتها أقل مما تتخيل.. أقل من الفتنة والدهشة، تكاد أن تبلغ محل الصديق المألوف الذي تعرفه منذ زمن.."
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية