في المرتين السابقتين، أقنع الحوثيون المنظمة الدولية المعنية بحل النزاعات (الأمم المتحدة)، بتبديل مبعوثين لها إلى اليمن، بن عمر وولد الشيخ، اللذان توصلا إلى طريق مسدود، في إطار مساعيهما لحل الأزمة اليمنية سياسيًا، وفي كل مرة، يُفشل الحوثيون أي جهود تبذل في ذات السياق، ولنا في جنيف 1 و2 و3 خير دليل على العبث الذي يستفحل الحوثيون في إتقانه، وسط دعم فني إيراني على مستوى عالي، وصلوا به إلى مرحلة متقدمة من إضاعة الوقت، والتقاط الأنفاس، والاستفادة من كل مناسبة أممية خاصة باليمن، سواء للترتيب العسكري، أو لتحقيق مكاسب مؤقتة سياسيًا واقتصاديًا، وما كان لذلك أن يكون لولا الرعاية الأممية الكاملة، والتي يضمنون بها بقاءهم على منهجيتهم التي ابتدعوها منذ أول قرار دولي بخصوص اليمن.
لا أريد أن أصور الحوثيين كفطاحلة سياسيين، أو جهابذة محنكين على مستوى الحوار والإقناع، لكنهم لا يستثنون من لعبة دولية تعيد تشكيل الشرق الأوسط، ومهمتهم في اليمن عليهم إنجازها على أكمل وجه، بمساعدة إقليمية وأممية.
لم يستطع جريفيث، المبعوث الأممي الثالث، وخليفة المبعوثين العربيين السابقين، لم يستطع إقناع الحوثيين للحضور إلى جنيف في المحطة الثالثة من المشاورات الأممية، وفشل في إخراجهم من صنعاء، على عكس ما قام به سلفييه، وهو ما جعله في حرج كبير أمام العالم، ليقوم بجولة مكوكية تكللت بانعقاد مشاورات استوكهولم، والتي استبشر بها اليمنيون؛ بعد لقاء مباشر ومصافحة تاريخية بين الوفدين، وما تبع ذلك من بدء انعقاد اجتماعات اللجان المتمخضة عن تلك المشاورات.
عوضًا عن ذلك، تقمصت الأمم المتحدة الدور الحوثي وقامت بأدواره التمثيلية على أكمل وجه، بدءًا بإعادة الانتشار الأولى، التي لم تتم أمام انكشاف غطاء الحوثيين الذين استبدلوا الزنّة بالبيادة، وأصبحوا جيش دولة بين ليلة وضحاها..
من يومها والتلكؤ الأممي سيد الموقف، ومحاولة ردم فجوة تباينات السويد تتوسع، وتتجاوز اتفاق السويد ذاته، بإشراف مباشر، وتعليمات حية من جريفيث، الذي فشل في إقناع كاميرت بالانجرار معه في إطار ألعابه، ليستنجد بالحوثيين لتطفيش الرجل، بعد تعرض موكبه لإطلاق رصاص حي، والتعقيد والتزمت الحوثي في كل اجتماع ثنائي بين طرفي الصراع بخصوص إعادة الانتشار في الحديدة.
جيء بوليلسجارد كبديل طارئ لكاميرت؛ حتى يتناغم مع ألاعيب جريفيث، التي سرعان ما تجاوب معها الحوثيون، وسعوا جاهدين لتنفيذ كل ما طلب منهم من قبيل التمهيد لإتمام المشروع الأممي الرامي لجعل الحديدة محطةً مهمة للتحالف الغير معلن بين المتمردين وبين من يقع على عاتقهم إنهاء الصراع كوسيط يحظى بثقة المتصارعين، على إثر هذا التحالف، تاجرت المنظمة الأممية بمعاناة الحديدة وأبنائها، وحولتها إلى محط اهتمام عالمي، وجنت بذلك مليارات الدولارات من باب التسويق الإنساني حينًا، وأحيانًا كثيرةً من باب الاستفادة من موانئها الحيوية الثلاثة، التي باتت بقدرة قادر تحت إدارتها كما قال مبعوثها الخاص!
حيكت مؤامرة توريط الشرعية بإتقان متناهي، ففي الوقت الذي ترقب اليمنيون فيه تسمية الحوثيين كطرف معرقل لكل ما تم التوافق عليه في استوكهولم، حتى انصدم الشارع اليمني بلعبة أممية جديدة أعاد بها الحوثيون انتشارهم بشكل أكثر تنظيمًا عن سابقه، وكيف له ألا يكون كذلك؟ ولوليسجارد ذاته من خطط وأشرف على التنفيذ، وفورًا باركه جريفيث، وأضاف بأن الأمم المتحدة بصدد توظيف 4000 شخص لإدارة وتشغيل موانئ الحديدة، ونسي أن يسمي موظفيه، الذين دون شك سيخلعون ملابس القبيلة ويلبسون ملابس المدينة، في تداخلات سينمائية بديعة، وسيناريوهات درامية أممية، مهمتها الكبرى إطالة أمد الصراع، وتحويل الحديدة إلى انتداب دولي تحت رعايتها وبالتنسيق مع المتمردين الحوثيين، إضافة إلى مصدر استرزاق استراتيجي، وهو ما لم تحرك الشرعية حياله شيئًا، سوى بعض التصريحات الخجولة والمنددة دون موقف حازم.
يجدر بحكومة الرئيس هادي أن تطالب بتوضيح متكامل حول ما حدث في الحديدة، وأن تتخذ موقفًا حازمًا من جريفيث، وتطالب بتبديله إذ لم يعد محايدًا، وفقد الثقة كوسيط بين طرفي الصراع اليمني، فلعبة الحديدة لا تستهدف المحافظة وحدها، بل مسارًا أوليًا لحزمة إجراءات تهدف إلى تمييع القضية اليمنية التي في أصلها انقلاب على شرعية تمثل عشرات الملايين من اليمنيين.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل