عندما اندلعت الثورة الشعبية ضد نظام المخلوع صالح عام 2011، قدم الثائرون تضحيات جسيمة وارتقى أزيد من 2000 شهيد بنيران قواته. كان صالح يرتكب الجريمة ثم ينفي صلته بها ويوكل الأمر لأبواقه الإعلامية لتمييع الجريمة وإلصاقها بأطراف لا علاقة لها بذلك.
كان صالح يسترخص الدماء، ولم يكن صعبا على من هو مثله أن يشارك العصابة الحوثية في استباحة صنعاء وبقية المدن، وقتل الآلاف من اليمنيين في سبيل إشباع شهوته في أن يكون له سلطة؛ وإذا اختصرنا المسألة نجد تاريخه السياسي بدأ بغرز خنجره في جسد الرئيس الحمدي وانتهى بمقتله برصاصة حوثية، أي أن تاريخه السياسي بدأ وانتهى بالدم!
وإذا كان صالح متورطا في آلاف جرائم القتل في البلد بما فيها جرائم قتل شباب الثورة، فإن أحزاب المعارضة ممثلة باللقاء المشترك، لعبت دورا همجيا في تسويق تلك التضحيات لخدمة أجندتها الخاصة حتى نالت نصف مقاعد الحكومة، ثم باشرت مع نصف الحكومة الآخر في إهالة التراب على هذه التضحيات ومنح صالح ونظامه حصانة من الملاحقة الفضائية داخل قبة البرلمان.
كانت تلك حالة تشريعية نادرة يتفق فيها النظام والمعارضة على تشريع إباحة القتل ومنح القاتل حصانة من أي مساءلة عما اقترفت يداه من الجرائم، وقبل ذلك كان اعتداء صريحا على النص القرآني الذي شرع القصاص صونا لحياة الإنسان، والقضية الأخطر أن قانون الحصانة شكّل أرضية لمزيد من جرائم القتل التي أعقبته حتى يومنا هذا، وربما ليس صعبا أن تمنح الحصانة للمرة الثانية لمن قتلوا آلاف اليمنيين خلال هذه الحرب وفق تسوية كتلك التي حملها العام 2011، وقلبت موازين العدالة الإلهية في الإنتصار للمقتول والقصاص من القاتل.
أزهق الحوثيون أرواح آلاف اليمنيين بنيرانهم، وحصدت آلة قتلهم كل من وقف أو حاول الوقوف في طريقهم والتصدي لهم من المواطنين، وطالت قذائفهم الأبرياء في مساكنهم وأماكن عملهم ضمن حملة ممنهجة لإرهاب الناس وإفراغ المدن وإيقاف عجلة الحياة.
كما أزهق الحوثيون أرواح كثيرة من أتباعهم بالزج بهم كقرابين لخدمة مشروعهم الطائفي، وأصبح افتتاح مقبرة في حرم جامعي مفخرة كبيرة في عرف عصابة اقترن اسمها بالدم والقتل والتدمير منذ ظهورها العلني مطلع العقد الماضي.
السلطة الشرعية هي الأخرى تتجاهل تضحيات ودماء أبطال الجيش الوطني، من خلال المساومة عليها في إطار مفاوضات عبثية، وتجاهلها لأسرهم وعدم الاهتمام بها بما يليق بعظم التضحيات التي قدمها أبناؤها، فضلا عن أن دور الشرعية يشبه في حالات كثيرة دور المنظمات التي تمارس الشجب والتنديد والمتاجرة بالدماء في آن واحد.
استرخاص الدماء اليمنية والمتاجرة بالتضحيات لم تقتصر على جهات محلية، فالتحالف العسكري الداعم للشرعية هو الآخر تورط بارتكاب جرائم مروعة بحق المدنيين من خلال غاراته الجوية التي أصبح ضررها على المواطن أكثر من ضررها على الحوثيين، والأسوأ من ذلك لجوئه للتنصل من الجريمة ونفي مسؤوليته عنها، ويسانده في ذلك حفنة من الكتاب والسياسيين اليمنيين ممن ينعمون ببعض الفتات الذي يلقى إليهم في أماكن سكناهم خارج الوطن.
الدماء اليمنية أضحت رخيصة يساوم عليها ضمن حسابات سياسية وعسكرية، بينما يكتوي أولياء الدم بنيران الفقد وانتظار عدالة قد يتم دفنها بين أوراق اتفاق سياسي ينتصر للجلاد ويقتل الضحية مرتين.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية