ليلةٌ واحدة كانت كفيلة بتحويل رمضان تعز إلى كابوس، وهي التي خرجت لتوها من نزال مستميت لتثبيت الأمن والاستقرار فيها.
ثلاث عبوات ناسفة، في ثلاثة أماكن متفرقة، على امتداد أبرز شوارع تعز حيوية، انفجرت اثنتان وأُبطلت الثالثة، ولم تستثنِ -كالعادة- ضحاياها من المارة الذين أكملوا لتوهم يومًا شاقًا من الصيام وعبء الحياة الذي لا يتوقف، في ظل ما يجري منذ سنوات.
قدر تعز أن تبقى واجهة لأي تغيير جذري في التاريخ اليمني، وعلى ذلك تتحمل كل ما يستجد في هذا السياق، وهي ميزة عُرفت بها، ومحل تقدير من كل جمهوري ما يزال على صلة وثيقة باليمن الجمهوري، وعلى الضفة الأخرى يسومها العابثون بهذا البلد سوء العذاب، ويصبون جام حقدهم عليها، حتى أوقعوا فيها ما أوقعوا، أزهقوا الأرواح، وسفكوا الدماء، وشردوا الساكنين، ودمروا الأحياء السكنية، وحاولوا مصادرة هويتها، وتحويلها إلى بؤرة موت، تستقبله وتصدره، لا لشيء، فقط لأنها تصطف إلى جوار الجمهورية، تعبر عن كنهها، وتمثل روحها، وتتصدر مشاهدها الحيوية، وتثور عند أي اعوجاج يجعل الجمهورية في خطر، وتواجه، وتقاوم، وتبذل الغالي والنفيس، من أجل الجمهورية.
هكذا تبدو تعز، كبش الفداء، تتلقى الأوجاع، وتتعايش معها، وتحاول التغلب عليها، بصمود وإرادة لا تنثني، ولا تموت، وهو ما عرف به أيضًا أبناؤها، الذين لعقوا البطولة، وشربوا المجد، فكانوا حيث كانت تعز، في أول الصفوف، لم يتراجعوا ولم ينحنوا، وأنّى لمن كانت الجمهورية موئله ومقصده أن ينحني؟
كلما تحاول تعز أن تتجاوز مرحلة من مراحلها الدامية، يهاجمها ضعفاء النفوس، تارة مليشيا الحوثي الانقلابية، ذات الروح الكهنوتية السلالية المناطقية، والحاملة لمشروع المحاسبة، على ردهة زمنية، كان لتعز فيها صداها الجمهوري المجلجل، الذي أوقف الزحف الإمامي، وأرداه قتيلًا، وتحول من الدفاع إلى الهجوم الذي ثبت قواعد الجمهورية، وبذلك عرفت تعز...
وتارة الأدوات الداخلية، التي شكلت ولا زالت، قنابل موقوتة، ذات تعهد دائم بالمليشيا حينًا، وحينًا بالمتعاونين المحليين، الذين أثقلوا كاهل مدينتهم، وزعزعوها من الداخل، ووقفوا في وجه بذرة الدولة، التي استعادت شيئًا من بريقها المصادر؛ حين أحيت العديد من المؤسسات الحكومية الفاعلة، ولمس المواطنون ذلك، وبادلوه بالشكر والامتنان، حتى وإن كانت هناك أخطاء.
كما لا تستثنى المناكفات السياسية من الحالة العامة لمحافظة تحاول الحصول على صك التحرير المنتظر، والذي يحتاج إلى قرار سيادي يتجاوز الجغرافيا اليمنية، فالأحزاب السياسية التي احتفظت بفعاليتها في تعز دونًا عن بقية محافظات اليمن، لم تقدم الكثير لتعز، بالقدر الذي عوّلته عليها، واتخذ كل حزب مثالب الآخر؛ ليشن عليه هجمات شرسة، وتراشق إعلامي أسود، أضنى تعز وأوجعها، ولا يزال.
الأحرى أن نتكاتف جميعًا في وجه صور الموت هذه، أن نتحول إلى أدوات فاعلة ضد الجريمة؛ فالجريمة لا تصوم، ومرتكبوها لا يعرفون التوبة.. علينا أن نمد أيادينا للدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية؛ حتى تكتمل الصورة، ويتوسع مشهد الحياة المرتجاة لهذه المدينة، بعيدًا عن آلامها ومنغصاتها التي لا تنتهي.
إلى متى ستظل تعز كبش الفداء؟
إلى متى ستغض الحكومة الشرعية الطرف عن استكمال تحريرها؟
إلى متى ستظل المعاناة عنوانًا لحياة تعز وأبنائها؟
حان الوقت لإعادة الاعتبار لهذه المحافظة الولادة، وإخراجها من بوتقة الفزعة عند الاحتياج، لتكون ذات أثر واسع على مستوى الجمهورية، بفعلها الوطني الدائم، وبحضورها الجمهوري القائم، وبنفسها العظيم، الذي يحوي الجميع ولا يميز بين جهات اليمن الأربع، وهذا ما جعلها على مر تاريخ البلاد كبش فداء، يتلقى الصدمات من جهة، ومن جهة أخرى يتعالى عليها، ليسموا ويكبر، وهل هناك غير تعز، بذات الأهلية والقدرة؟
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل