يحل رمضان كالمعتاد، منذ خمس سنوات، واليمنيون على حالهم، لم يتغير شيء من قبيل مؤشرات تراجع حدة المداهمات الوبائية التي لا تتوقف، ولا نتائج ملموسة لحملات الإغاثة التي كلّفت مليارات الدولارات، لنكتشف أنها كانت مجرد هالة إعلامية، ومشاريع على ورق، فيما يقول الواقع: أن هناك ابتزاز كبير للإنسان اليمني، واستثمار مباشر لمعاناته وآلامه، ومنها لا من سواها بات للجهات المعنية ومنظمات التدخل السريع الدولية حياة نضرة وانتعاشة دائمة، وفراهة لم تكن حتى في أحلام يقظتهم!
الأزمات هي ذات الأزمات، الغاز بحاجة إلى رحلة بحث مضنية للحصول عليه، والمواد الغذائية الأساسية محل ارتفاع مستمر في الأسعار، وحملات الإعانة لا تستطيع أن تخفف فعليًا من معاناة المحتاجين والمعوزين، الذين يواجهون ظروفًا قاسية جراء ما يدور في البلاد منذ سنوات.
دون أدنى شك، يتحمل الحوثيون ما ارتكبوه في حق اليمنيين، وما لحق بهم من أذى طوال سنوات انقلابهم المزرية، وكذا أزماتهم التي اصطنعوها، وكأنهم قاموا بما قاموا به ضمن خطة معدة مسبقًا، وبإحكام متناهي؛ للنيل من الإرادة اليمنية التي أرادت أن تتجاوز مراكز النفوذ والسيطرة التقليدية التي عبثت بتاريخ اليمن وبمقدراته وثرواته.
صفحة من دم، كتب الحوثيون عليها تاريخ مظلوميتهم المزيفة، التي أحلّت اليمن قوائم التخلف والانحطاط، وبها وهم يحملونها، تجاوزوا كل فرصة للحل ولإنصافهم كذوي مظلومية في فترة ما، وبها أيضًا باتوا أداةً محوريةً لقوىً إقليمية تكفلت يتقويض جهود بناء اليمن، والعمل لإشعال المنطقة برمتها؛ لأنها أرادت أن تستبدل جلدتها الأولى بالحرية والكرامة، والحصول على الحقوق مكتملة بلا نقصان.
دونًا عن سواهم، اتخذ الحوثيون من شعاراتهم المزيفة، مسكناتٍ مؤقتة، سرعان ما تحولت إلى مواد تخديرية، اجتاحت محافظات شتى، وبها قفزوا على كل ما له علاقة بالقانون والعرف والتقاليد اليمنية، ومنها استلهموا مسيرتهم القرآنية المشينة، والتي كان جوهر إنجازاتها متمثلًا في تفجير عشرات دور القرآن، ومعها مئات المنازل لمناوئين لها، رفضوا الانصياع والامتثال لمسيرتهم ذات الشعارات الزائفة الموزعة للموت في كل أنحاء اليمن، تحت مظلة الموت لأمريكا وإسرائيل!
أقصى ما يستطيع الحوثيون فعله هو البقاء في أماكنهم إلى حين توفر حل يضمن لهم المكوث بأمان، وهذا ما جرت عليه الحروب الستة، قبل أن تعمل الآلة التخريبية التي اصطفت في طابور الثورة المضادة، وتعاضدت مع أدواتها الداخلية الفعّالة، لإخراج يأجوج ومأجوج اليمن من بين أسوارهم في صعدة، ووفرت لهم سبل الانتشار بشكل زاهٍ ومتكامل، لا يشتكون معه من نقص، ولا يشكون في أحد، فالكيان العام لغالبية الجيش ووحداته كانت مضمونة، إما بعدم التدخل، وإما بالتسليم ولعب تمثيلية الاجتياح المفاجئ والهجوم المباغت لجحافل من مئات المقاتلين القادمين من الجبال دون تأهيل مسبق، وبذلك انطلت الشائعة، وكبر البعبع في إطار مظلوميته المزيفة وشعاراته الزائفة، وتمدد في كتابة فصول جديدة من لعبة لها ممولوها ومخططوها ذوو الدراية التامة بما يجري في البلاد، وبما يمكنهم من تحقيق ما يريدونه بالتمام وبأقل الخسائر بالنسبة لهم.
ما يجدر باليمنيين اليوم، رغم جراحهم الغائرة، ونزيف دمائهم الذي لم يتوقف، هو أن يتكاتفوا، ويكثفوا من جهود مناوئة هذا الاختلال الزاهي مع مرور السنوات، وهذه مسؤولية تقع بالأساس على عاتق الحكومة اليمنية التي إن لم تقم بدور محوري لإيقاف هذا الانقلاب فإنها ستقف موقف الاتهام ولعب الأدوار، وهذا ما نخشى أن نصطدم به مع مرور الزمن، وتعاقب الأحداث، كالخذلان الذي تعرضت لها مناطق شتى مؤخرا.
كما أن صاحب قرار الفعل هو التحالف الذي تدخل لإيقاف الانقلاب والنيل من قادته، وإعادة اليمن إلى حضن الأمة، واستعادة الشرعية الدستورية، التي ما زالت في هجرة مستمرة، لذا فالتحالف العربي يتحمل المسؤولية بالتوازي مع الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية ذات العمق اليمني، ودون ذلك فسنظل في تيه دائم، وستظل صفحة الدم الحوثية هي السائدة في أروقة الوجود اليمني، ويكفي ما جرى ويجري طوال سنوات الانقلاب الأسود الدامية.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل