تشن الأنظمة العربية حربا شعواء على الشعائر الإسلامية منذ عقود، بما فيها شهر رمضان وما يرتبط به من شعائر تعبدية. وما إن يقترب هلال رمضان في كل عام تكون الأنظمة قد استعدت لاستقباله بمزيد من التضييق عليه، لإسقاط قدسيته في نفوس المسلمين.
في السعودية مثلا، أصدرت السلطات قرارات بمنع مكبرات الصوت خلال صلاة التراويح، ووضعت قيودا على المصلين بينها ضرورة اصطحاب الهوية الشخصية، أما المصلين غير السعوديين فاشترطت لاعتكافهم ضرورة موافقة الكفيل!
قرار منع استخدام مكبرات الصوت في صلاة التراويح اتخذته أيضا سلطتي الإنقلاب في مصر واليمن، مع فارق أن الحوثيين لا يعترفون بصلاة التراويح وعندما اقتضت الضرورة الإشارة إليها في القرار المتعلق بمنع مكبرات الصوت، استخدموا عبارة" ماتسمى صلاة التراويح".
لعل صلاة التراويح، هي الشعيرة الأكثر ارتباطا برمضان في أذهان الناس، ومن منا لاتطرب روحه وهو يسمع الآيات تجلجل المآذن، ويتردد صداها في الأزقة والشوارع، ولذلك ليس مستغربا أن تسعى النظم المعادية للدين، أن تحصر هذه الشعيرة داخل مساحة المسجد، لتؤدى في حالة جنائزية يلفها السكون المطبق، فإذا ما تقبّل الناس هذا الأمر فسيسهل التضييق على بقية الشعائر، وإسقاطها من نفوس الناس طوعا أو كرها.
الحرب على قدسية رمضان، وما يرتبط به من شعائر تعبدية، ليست جديدة على أنظمة أفرزها الإستعمار ونصبها وكيلا عنه، فالرئيس التونسي الأسبق بورقيبة دعا الشعب التونسي للإفطار العلني متعللا بأن الصيام يعطّل الإنتاج، أما العقيد الليبي القذافي فألغى الرؤية الشرعية لهلال رمضان باعتباره مضيعة للوقت واعتمد بدلا عنه الحساب الفلكي الذي استخدمه خصيصا لتحديد أوقات المناسبات الدينية، وما إجراءات اليوم إلا امتدادا لعهد طويل من الحرب على كل ماله علاقة بالإسلام.
لقد أدركت الأنظمة العلمانية أهمية إسقاط الشعائر الإسلامية من سلوكيات الإنسان المسلم أولا حتى يسهل إسقاطها لاحقا وفق إجراءات سلطوية ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك عملت خلال عقود بشكل متواصل، على إلغاء قدسية الشعائر الدينية ومنها رمضان كشهر تعبدي له مكانته الروحية في نفس المسلم، فأنتجت عشرات المسلسلات والبرامج التي تبث بالتزامن مع رمضان ولا تخلو من مشاهد خليعة أو منافية للقيم، وذلك لصرف الناس عن الاهتمام بالجانب التعبدي، إلى الاهتمام بالمحتوى التلفزيوني وإهدار الوقت حتى ساعات السحَر.
إنها محاولة لسلخ الإنسان المسلم عن رمضان، حتى يصبح تفاعله مع رمضان المسلسل أكثر من تفاعله مع رمضان الروح، و هكذا يصبح من السهل إلغاء أو تقييد هذه الشعيرة أو تلك، دون أي فوضى أو ضجيج خاصة مع وجود علماء البلاط الذين يتولون إضفاء الصبغة الشرعية على إجراءات السلطة بحق شعائر رمضان.
الإنتاج التلفزيوني الهادف، والذي كان محدودا للغاية خلال رمضان، أصبح أيضا شبه منعدم خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فالدعاة الذين كانوا يتصدرون اهتمام الناس على شاشة التلفاز في رمضان، أصبحوا إما في السجن أو ممنوعين من الظهور، وحتى مسلسلات التاريخ الإسلامي التي كانت تشكل جزءا مهما من الدورة الرمضانية، غابت تماما عن الشاشة ليحل محلها مسلسلات تتناسب مع طبيعة مرحلة الهوان الراهنة، كالحلاج ومقامات العشق والعاصوف.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية