في منتصف مارس الماضي، وصل محافظ تعز نبيل شمسان إلى المدينة لمزاولة مهامه وأصدر أول قرارا له بتشكيل حملة أمنية لملاحقة عناصر مسلحة تورطت في اغتيالات لأفراد الجيش الوطني، لكن مهمة الحملة خضعت لمزاجية المحافظ الذي عمد إلى حصرها بين مواصلة المهمة وإيقافها، وهذا بدوره أدى إلى إرباك عمل الحملة الأمنية وهز صورتها أمام جموع أبناء تعز.
الأسبوع الماضي، استأنفت الحملة الأمنية مهمتها في ملاحقة العناصر المسلحة بعد حادثة اغتيال جديدة طالت ضابطا في الأمن، لكن المحافظ شمسان حاول ممارسة لعبته السابقة في إيقاف الحملة عند المنتصف، والتحكم في حدة المعركة مع العناصر المسلحة، في محاولة جديدة لخلط الأوراق وإظهار نفسه كطرف محايد لاعلاقة له بما يحدث في محافظة تخضع لسلطته.
حاول شمسان أن يمسك العصا من المنتصف، ومنح المبررات للعناصر المسلحة للاستمرار في تمردها ومواجهة الحملة الأمنية، وهو بذلك أراد إظهار المعركة بين طرفين متصارعين لا بين دولة وخارجين عليها، وأراد بمكر وخبث إظهار الحملة الأمنية في موقف المتمرد على قراراته، فيصبح حينها لا فرق بين عناصر مسلحة تمردت على الدولة، وحملة أمنية تمردت على قرار من يمثل الدولة.
تصرفات شمسان، لا يمكن إصباغها بصبغة المسؤولية والحرص على حياة المواطنين من أبناء المدينة القديمة، فالرجل أوقف الحملة الأمنية عن مهامها بينما كانت على وشك بسط سيطرتها على أحياء المكان، وأتاح للعناصر المسلحة كسب المزيد من الوقت لاستعادة أنفاسها، ومن ثم البدء بمعركة جديدة ضد الحملة الأمنية وإثارة رعب المواطنين، وما إن عاودت الحملة الأمنية مهمتمها في التصدي للمسلحين، حتى بادر المحافظ بالتوجيه بإيقافها، ولولا جهود الوساطة مع العناصر المسلحة التي أفضت لخروجهم من المدينة القديمة، لكان شمسان يمارس لعبته في إضعاف هيبة المؤسسة الأمنية وشيطنتها وتشجيع مبطن للتمرد عليها.
مزاجية شمسان، لا تختلف كثيرا عن مزاجية رئيس البرلمان سلطان البركاني الذي خرس لسانه لأربع سنوات عن جرائم الحوثيين وصالح بحق أبناء تعز، ولم تحرك أنهار الدم القاني جزءا من إنسانيته، لكن ثمة قصة مأساوية مفبركة حركت مشاعر الرجل، وجعلته يطالب"ما يسمى" الحملة الأمنية بالتوقف عن مهمتها، بدعوى الحفاظ على أرواح المواطنين، وعندما ثبت أن القصة التي حركت مشاعره كانت كاذبة لم يمتلك الشجاعة للاعتذار، مفضلا فقد إنسانيته وشجاعته دفعة واحدة!
مزاجية المواقف، ظاهرة تبعث على التقيؤ بعض الأحيان، ولك أن تتخيل أن حزبا يساريا كالحزب الناصري يزعم تمسكه بقيم الدولة يصطف في ذات الوقت مع عناصر مسلحة خارجة عن عباءة الدولة، وبدلا من مطالبة العناصر المسلحة بتسليم المطلوبين للدولة ووقف القتال داخل الأحياء السكنية، رفعوا صراخهم لمطالبة الدولة بالتوقف الفوري عن ملاحقة المطلوبين، والتراجع عن قراراتها، ولو نفذت مطالبهم فتلك مصيبة، إذ كيف لمؤسسة تمثل الدولة أن تدوس هيبتها التي يقيدها ملايين المواطنين إرضاء لمزاج بضعة أشخاص.
المزاجية المسيطرة على مواقف بعض الأحزاب السياسية في تعز، لعبت دورا سلبيا في رسم صورة قاتمة للمدينة، وأظهرت أن هذه الأحزاب لازالت تعيش مراهقة سياسية متأخرة، لا يهمها سوى مصالحها بدرجة رئيسية.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية