مع مطلع الألفية الثالثة، وتحديدًا في يونيو 2004م، نشبت حربٌ غير معروفة الأسباب، بين الحكومة اليمنية وجماعة مسلحة، عُرفت فيما بعد بجماعة الحوثي، في صعدة، أقصى الشمال اليمني، عدّها اليمنيون يومها حربًا محوريةً تخاض ضد فصيل قبلي متمرد، وهكذا تم التجييش الإعلامي، وحُشد التناول في كافة الوسائل الإعلامية الحكومية منها والأهلية، على هذا المنوال، لِمَ لا، وهذه الحرب تُعد الأولى منذ حرب 1994 بين شطري البلاد.
مثلت هذه الحرب الشعلة الأولى لحرب امتدت لسنوات، ست حروب كاملة، تُشعل وتتوقف، كأنها بإشارة واحدة، وبتوجه واحد، ويجني ثمارها مستفيد واحد، فالحرب التي بدأت في يونيو 2004 توقفت في فبراير 2010 شهدنا بين هذه السنوات حروبًا متنوعةً راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، ولم تكتوِ بها صعدة وحدها، بل شملت عددًا من مديريات المحافظات المجاورة في الجوف وعمران وتجاوزتهما إلى حجة، في مشهد ترك استفهامات عدة، لم تُدرك إلا بعد سنوات!
بعيد الرحيل الصوري لصالح عن السلطة، وتسلل الحوثيين بين الأوساط المدنية ومكونات ثورة فبراير، باتت للكيان المسلح أصواتًا عدة، تنادي بضرورة إنصاف مظلمتهم من صالح، والاعتراف بهم كجزء من المشكلة والحل، وهو ما كان خلال سلطة ما بعد الثورة الشبابية، وإدراجهم ضمن أطراف الحوار الوطني، وتخصيص لجنة كاملة لقضية صعدة والتي يعد الحوثيون جوهرها.
بدأت ملامح اللعبة تتكشف، والإرادة الدولية تتجاوز الطموحات الشعبية اليمنية، ودائمًا ما يكون للأقليات حظوة دولية، تُستخدم بعدها كأوراق لزعزعة استقرار بلدانها، وتقويض جهود إحلال السلام، وعرقلة محاولة صناعة النهضة والتنمية، ففي الوقت الذي كان مدنيو مليشيا الحوثي على طاولة الحوار الوطني، كان مقاتلوها يجتاحون محافظات مجاورة كعمران والجوف، ثم ما لبثوا أن حاصروا صنعاء، واقتحموها تحت مبررات واهية، وفيها انقلبوا على الحياة السياسية للبلد، بمباركة أممية ودولية وإقليمية، تمثلت في عقد اتفاق السلم والشراكة، الذي تلاه في اليوم الثاني إخضاع الرئيس للإقامة الجبرية، وشن حملة اعتقالات واسعة في الصفوف المدنية، خاصة المناصرة لثورة فبراير، وما تلاها من خطوات فعلية نحو تحقيق أهدافها المشروعة لليمنيين.
لم يلتزم الحوثيون باتفاق أبرموه، ولم يضعوا حسابًا لعرف أو تقليد على الرغم من انتماءاتهم القبلية، ولم يرجعوا في تصرفاتهم لحدود الدين والمعتقد، على اعتبار أنهم جماعة دينية، ولم يأبهوا لشيء من هذا القبيل، أو حتى للإنسان اليمني المتكفل بدفع فاتورة نتائج ما أقدموا عليه!
إن انقلاب الـ 21 من سبتمبر، مثّل انقلابًا على ثورة فبراير الشبابية والشرعية اليمنية وانقلابًا على ثوابت البلاد ومبادئها الراسخة، وانقلابًا على داعمي الانقلاب أنفسهم، الذين خذلهم الحوثي بالاستجابة لمصالحه ومآرب داعميه الدينيين في إيران، ولذلك اجتاح المدن واحدةً تلو الأخرى، كما فعل التتار والمغول، ولم تنتبه السعودية للانحراف الحوثي إلا وهو على تخوم عدن، يعبث بها، ويذيق أهلها الويلات.
أجزم أن الحوثيين جماعة وظيفية، صنعت لتنفيذ ما هو محدد لها، وتحظى بدعم دولي وإقليمي استثنائي، ولكلٍ مبرراتُه، سواء على مستوى الثورة المضادة التي تهدف لقطع شرايين الربيع العربي وأنصاره، أو بما يلاءم صفقة القرن التي تُطبخ على نار هادئة، وما يجري في الوطن العربي يصب في هذا المجرى، الذي تعمل إسرائيل بمعية صهر ترمب وحوارييه العرب للإسراع من تنفيذها قبل فوات الأوان.
يفتح المجتمع الدولي للناشطين الحوثيين أبوابه، ويتعاطف معهم، ويلبي احتياجاتهم، وتحتفظ المنظمات الدولية بمكاتب رئيسية في صنعاء، وذلك كله يصب في تبييض الصورة البشعة للمليشيا أمام العالم، ويثير العديد من ألغاز الكيل بمكيالين، والمعايير الدولية تجاه الصراع اليمني المفتقدة للمهنية والتعامل الإنساني العادل.
من المؤلم حقًا، أن نتوصل إلى نتيجة ملموسة، وهي أن الجميع هنا أشعلوا حربًا وظيفية لا حقيقية، فاليمن حلبة صراع، فيما مقاصد هذا الصراع وأهدافه تتجاوز الخريطة اليمنية، ووحده اليمني من يدفع فاتورة الحرب من دمه ولقمة عيشه، بفعل التضارب البيني لمصالح دول الجوار، وأيها تنفذ ما طُلب منها في اليمن على وجه السرعة؟!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل