ليس المهم أن تكون سعيدا.. المهم أن تتقبل تعاستك..!
تفاصيل التغريبة اليمنية، لم تلاقِ حقها في الحديث والوصف. ربما لأن غربة الإنسان اليمني قديمة أزلية ..
أمة محاصرة بين انفجار الماء، أو انفجار النار..!
أينما وليت وجهك، فثمة يمني يبحث عن وطن في أوطان الغير.. يهرب من وطنه، ويحن إليه..!
ابتسم الولد الصغير في وجهي، قائلا: كم أشعر بالسعادة حين أسمع لهجتنا هنا.
يحرص الغالبية أن يبقوا في تجمعات متقاربة. أحياء كاملة تفوح منها رائحة اليمن، وتتناثر اللهجات من كل مناطق الوطن.
حين نلتقي في الشتات، نشعر بغربتنا أكثر. تشعر أنك نبتة بلا جذور، أتت بها رياح الحرب أو الاغتراب المسبب.
لم يكن يبدو عليها شيء يجعلني أعرف أنها يمنية، سوى ذلك الإحساس المشترك بين اليمنيين لمعرفة بعضهم ..
عددت لي الدول التي لجأت إليها أسرتها بعد الحرب، وأنها اختارت مصر كونها الدولة الاقرب لروح اليمنيين.
قبل ثلاث سنوات، أتت مع زوجها المريض وأطفالها للعلاج.. وعندما مات، تكفل بدفنه فاعل خير، لتستقر مع أولادها في الغربة، وبحسب قولها: إلى حين يكبرون ويختارون العودة إلى وطنهم، أو مواصلة الاغتراب. واستطردت: لم يعد هناك شيء لنعود من أجله..!!
بعد موت زوجها، باعت كل ممتلكاتهم عبر وسيط، كي تتدبر معيشتها في الغربة. أخواتها الثلاث في بلدان خليجية أو اسيوية مع أزواجهن.. ولديها أخ وحيد في تركيا ينوي الاستقرار هناك للأبد.
"كلنا في الشتات".. هكذا اختصرت المصير. قالت بثقة: كل بلاد العرب وطن واحد، والاستعمار من أوجد هذه الحدود فقط.
هذه الحقيقة المرّة، المضحكة، في آن واحد.. هناك شعوب تعامل الوافدين بعدائية وعنصرية عجيبة، ليس منها شعب مصر الجميل لحسن الحظ.
يمكن أن يبقى الكثير في الشتات إلى الأبد، و"الغربة الحقيقية هي غربة الروح". يا لها من عبارة مستهلكة، افقدها التكرار حقيقتها الغائبة؛ غربة الروح هو عدم تقبلها لوضعها.. هذا تبسيط آخر للغربة..!
يمكن لروحك أن تحيا في أي مكان، في أي وضع.. المهم أن تتقبل هذا الحال، وتتعايش معه كمصير محتوم !!
ماذا لو استمرت الحرب للنهاية؟! لا نقول للأبد، إنما إلى نهاية حياتك القصيرة، مهما طالت..!! هل تظل غريبا تنتظر الفرج أم تتقبل المفترض؟!
ثم ما هو الوطن؟!
إنه قطعة أرض، يتقاسمها الكثير، ولا تملك منها شيء، سوى حبها الذي يرهقك..!!
هو انتماءك لأحلام تخصك، ولا يمكن أن تحققها في وطنك..!
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية