من الغريب حقًا، أن السعودية تتجاهل أو تغض الطرف منذ زمن عن مجريات الأحداث في جارتها اليمن، أو أنها بشكل آخر، وقعت في فخ الحسابات الضيقة، والسياسات الملفوفة لصالح ومشايخ القبائل الذين كانوا يحصلون على دعم مالي كبير من المملكة؛ لضمان ولائهم ومَن تحت رعايتهم.
لكن هذه الحسابات، تداعت حتى انفجرت الأوضاع في جارتها ذات الحدود البرية الأكبر معها، وعمقها الاستراتيجي، والبوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، التي تشكل السعودية عمودها الفقري، وهو ما جعل السعوديين يستيقظون من سباتهم العميق؛ ليواجهوا محنة اليمن بكل أوجهها، على الرغم من أن بعض المعالجات المسبقة، كانت كفيلة بوضع حلول أولية، ستقود إلى حل جذري ينهي كل أزمات اليمن، ويحولها إلى دولة تعتمد على خيراتها وكفاءاتها لتحقيق طموحات أبنائها، والقضاء على مسببات النزاع، وتجفيف بؤر الصراع، التي توسعت بفعل الأطماع الإقليمية وسوء التقدير السعودي للتعامل مع ثورة فبراير، وما تلاها من استحقاقات وطنية كانت تحتاج إلى مواقف سعودية تتمثل في الدعم السياسي والدبلوماسي لتتحول واقعًا ملموسًا، يلبي تطلعات اليمنيين جميعًا.
مؤسفٌ جدًا، أن تتوه السعودية عن كنهها، وحقيقتها المنتمية لمحيطها التي عُرفت بها منذ تأسيسها، وتُقحم بفعل التطورات الإقليمية في خضم معترك غير واضح المعالم، وتصبح في إطاره تائهة، لا تدرك وجهتها التي من الأولى أن تحظى بتركيزها، واهتمامها مهما كانت الظروف والملمات المحيطة، وأعني بذلك اليمن، وهي الدولة التي تؤتى من قبلها السعودية دائمًا، إذا ما تعرضت لاحتلال، أو مرت بظروف غامضة مفككة، أو شهدت صراعات داخلية، وذلك في كل الأحوال ينعكس على الداخل السعودي، وعلى الصورة الكلية للمملكة، سواء اقتصادها أو سياستها وكذلك ما يتعلق بسيادتها!
شكل الغموض السعودي، تجاه الحالة اليمنية، خلال الحروب الستة ضد الحوثيين لغزًا محيرًا، عن مدى التوجه السعودي، والسياسة المتبعة للتعامل مع معضلات شقيقتها اليمن، ثم أتبع اللغز المحير بلغز بالغ التعقيد، تمثل في عدم التفاعل الفعّال مع ثورة فبراير الشبابية، ودفعها معية شقيقاتها الخليجية، نحو مبادرة للحل السياسي، ضمنت لصالح حصانةً، ودورًا سياسيًا لحزبه وعدد من أركان نظامه، سرعان ما تحول بفعله إلى معارض لنائبه السابق، رئيسه الجديد، هادي، وصوّب جهوده لتقويض كل فرص السلام التي تلوح في الأفق، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني، الذي حظي بمباركة واسعة من القوى الدولية والإقليمية، قبل أن تنقض مليشيا الحوثي على الحياة اليمنية كوحش هائج، كسر القواعد، وخالف التوقعات، وقفز فوق العادات والتقاليد، وأنهى الحياة السياسية بانقلاب غاشم، سبقه فعل عسكري محشود له من صالح وأنصاره، ولاقى زخمًا كبيرًا من قوى الثورة المضادة، التي كان همها الأول كسر شوكة ثورة فبراير، حتى وإن اكتوت بالنار.
كانت السعودية تقف موقف المتفرج، وهي التي وجدت نفسها وسط تحولات إقليمية جوهرية، تتطلب منها مواقف فورية، وهو ما صنع حالة التأني، ليصبح القرار السعودي متأخرًا، في ردة فعله تجاه ما يجري في صنعاء، فمن شأن داخلي محض إلى وساطة بين الفرقاء، إلى قرار فعلي تمثل في تدخل عسكري عبر تحالف عربي بقيادتها، هدفه استعادة شرعية هادي وإيقاف المارد الحوثي.
بعد أربع سنوات من التدخل العسكري، اكتشف اليمنيون أن السعودية وقعت في فخ الحرب اليمنية، وأنه في كل حال من الأحوال، أريد لهذه الحرب أن تكون، لتصبح السعودية أكبر مستورد للسلاح في العالم، تمامًا كما تعتبر أكبر مصدر للنفط، ولعل تسارع وتيرة الأحداث الإقليمية، والتغييرات الداخلية الكبيرة، والسياسات الاقتصادية والخارجية المتبعة، عبّرت عن التوجه السعودي الجديد، لمملكة ما بعد التدخل في اليمن!
مؤخرًا فاقت السعودية بعد أن غطت في نوم عميق، وسارت في مشهد فضولي تابعة بجلالة قدرها وثقلها العربي والدولي لنزغات شاردة، لا صلة لها بالسعودية العربية، ولا لثقافتها ذات البعد الإسلامي، المنتمي للأرض المباركة، واتخذت قرارًا ضمنيًا، فهمناه أخيرًا، تمثل هذا القرار في لملمة شتات النواب اليمنيين، والضغط نحو انعقاد السلطة التشريعية، التي بعودتها، تكتمل سلطات الدولة الثلاث، وتصبح القوة المحشودة لمواجهة الانقلاب الحوثي أكثر فاعلية، وأجدى نفعًا، وهو ما بدا على ملامح الانقلابيين وردات فعلهم الهيستيرية.
الصحوة السعودية الأخيرة في اليمن، ستعود بالفائدة على مسار الحرب وعكسها لصالح الشرعية، والتقصير من عمرها المتزايد، وذلك ما هو مأمول من دولة تدفع فاتورة الحرب، وتفقد مع مرور الأيام، واستمرار وتيرة الصراع اليمني الذي تعد فيه لاعبًا أساسيًا، تفقد بريقها، وثقلها الكبير، وهو ما لا نرضاه، إذ أن أي انحراف في المسار السعودي، سينعكس بالتأكيد علينا.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل