لم يكن البرلمان اليمني يومًا حلقة وصل فعّالة بين المواطن والسلطة التنفيذية في البلاد، على اعتبار أن أعضاءه الـ 301 يمثلون مواطني كافة الدوائر الانتخابية، وينقلون همومهم، ويتبنون مطالبهم، ويشرّعون ما بإمكانه أن يضمن حياةً كريمة لليمنيين.. لكن قبّة البرلمان، كانت تذعن بالأغلبية الساحقة لحزب صالح، المؤتمر الشعبي العام، والذي بدوره حوّل البرلمان إلى وسيلة تشريعية تشرعن للرجل كل ما يريد القيام به، ويمرر عبرها الصفقات العسكرية والاقتصادية وحتى الجرع القاتلة التي كابد اليمنيون تبعاتها على مدى حكم صالح الثلاثيني، مع أنه لم يخلُ من معارضة شديدة ذات تأثير محدود بالنظر إلى فارق العدد بين حزب صالح الحاكم وأحزاب المعارضة مجتمعة.
خلال انقلاب الحوثيين، وتحركاتهم العسكرية، وقف المجلس متفرجًا، لم يكن هناك موقف واضح وقوي، باعتباره المؤسسة الضامنة لاستمرار الحكم الجمهوري كسلطة تشريعية تتمتع بصلاحيات واسعة على صلة بمثل هذه الأحداث، وطالها ما طال بقية المؤسسات الحكومية الأخرى، إذ جُمّد نشاطها، وباتت دون فاعلية تُذكر، على الرغم من محاولة إنعاشها خلال فترة التحالف الحوثي مع صالح.
وظل المجلس بعدها معلّقًا، مع أنه يُعتبر مجلسًا منتهيةً صلاحيته وفترته الدستورية، فهو صاحب تصنيف أطول البرلمانات في العالم عمرًا، فآخر انتخابات برلمانية في اليمن كانت في عام 2003، ثم تعذر إجراؤها في 2009 بسبب خلافات سياسية بين الحزب الحاكم والمعارضة، ليمدد المجلس لنفسه، واستمر على ذلك النحو مع اندلاع ثورة فبراير مرورًا بالانقلاب الحوثي.
في الـ28 من يناير 2017، أصدر الرئيس هادي قرارًا جمهوريًا قضى بنقل المجلس إلى العاصمة المؤقتة عدن، على أن يبدأ بممارسة مهامه كمؤسسة حكومية بات من الضروري إعادة تفعيلها، واستخدامها في الصف الشرعي ضمن مساعي القضاء على انقلاب الحوثيين، ولكن قرار هادي لم يُنفذ، لأسباب عدة، على رأسها-برأيي- رفض بعض القوى الإقليمية حينها عودة المجلس للانعقاد وخصوصًا في عدن، إضافةً للخلافات الكبيرة بين الفرقاء المؤتمريين الذين يمثلون النسبة الأكبر من الأعضاء، فخلافاتهم من حيث التبعية كانت وراء ذلك السبب، بالإضافة إلى الوضع الأمني الذي كانت تعيشه عدن يومها.
منذ أشهر، قادت السعودية حراكًا واسعًا للملمة شتات البرلمانيين اليمنيين، المتناثرين في دول عدة، وجوهر الأسباب الكامنة وراء الحراك السعودي يتمثل في الرغبة بتفعيل البرلمان اليمني لتمرير العديد من الاتفاقيات، وشرعنة التدخل العسكري للتحالف العربي، وكذا الوقوف في وجه المحاولات الحوثية الرامية لإعادة عمل المجلس في إطار مناطق سيطرتها والتي حددت لذلك انتخابات تكميلية في منتصف الشهر، ضمن الحراك المتبادل لإظهار شرعية كل طرف على الآخر، وذلك من الحماقة والغباء بمكان.
سينعقد المجلس لتغليب المصلحة الوطنية وفق توافق معلن من كافة القوى والأحزاب، هذا ما قاله وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى، في إشارة ضمنية لماهيات الانعقاد المنتظر، الذي بدأت تجاذبات رئاسته تلوح في الأفق، مع أوامر صادرة بمنع انعقاده في عدن، لأسباب مجهولة، رغم ما تعنيه رمزية انعقاده فيها كعاصمة مؤقتة للبلاد.
من المزمع أن ينعقد المجلس خلال أيام في سيئون، ثاني أكبر مدن محافظة حضرموت، أكد ذلك، التحركُ العسكري السعودي المدعّم بأنظمة الباتريوت كحماية لانعقاد المجلس، وللرئيس هادي الذي بالتأكيد لن يُفوّت فرصةً تاريخية كهذه..
يتجمع أعضاء مجلس النواب في الرياض منذ أيام، ومنها سيتوجهون إلى سيئون، لعقد أول جلسة برلمانية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وفي ظل الحرب الدائرة منذ سنوات، وفي ظل تنازعات إقليمية كبيرة بخصوص البلاد، وفي ظل تجميد شبه كلي للاتفاق المبرم بخصوص الحديدة في ستوكهولم.
مهما كانت الأسباب التي دفعت باختيار سيئون، والنتائج المترتبة على الجلسة الأولى، فإن انعقاد المجلس في إطار الظروف الاستثنائية سيمثل بارقة أمل لعودة منتظرة لكافة مؤسسات الدولة، رغم المنغصات التي نمر بها، وحالة التهرئة المتفاقمة بفعل المنقذين لنا، التائهين عن الهدف المعلن، والمنقلبين الداخليين على كافة الأعراف والتقاليد اليمنية، الذين أشعلوا حربًا ضمنت لهم حياةً كريمة، وأغرقت شعبهم في ويلات الألم والمعاناة الأسوأ في العالم.. فما الذي سيفعله أطول برلمان في العالم عمرًا بعودته المحتملة، لإنهاء أزمة سياسية واقتصادية وعسكرية طال أمدها؟
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل