لا أحد يعادي فكرة وجود الدولة، لكن الرغبة الملحة للبعض في اختزال مفهوم الدولة وفقا لرغباته وأمزجته، تجعلنا نتساءل عن ماهية الدولة التي يبحث عنها هذا "البعض".
قبل أيام قليلة، تشكلت حملة أمنية في مدينة تعز بهدف ملاحقة متورطين بجرائم اغتيال بحق أفراد الجيش الوطني، وما إن شرعت الحملة بتنفيذ المهمة بناء على توجيهات السلطة المحلية، حتى باشرت الأقلام الرمادية، في شن حملة إعلامية مناهضة للحملة الأمنية، رافقها تحرك مسلح على الأرض، أسفر عن ضغوطات على السلطة المحلية ونتج عنه تعليق عمل الحملة الأمنية.
بالنظر إلى المبررات التي ساقها مناهضو الحملة الأمنية، وأغلبيتهم من التيار القومي اليساري، نجد أنها ارتكزت على معلومات بعضها يفتقر للدقة، أما هدفهم من ذلك فكان شيطنة الجيش تحت شعارات براقة على شاكلة "نشتي دولة".
لا أحد ينكر حدوث تجاوزات فردية رافق مسار الحملة الأمنية، وهذه التجاوزات يجب أن يحاسب المتورطون فيها في أقرب وقت، حتى لا يتخذ بعض " المفصعين" من المؤسسة العسكرية كغطاء لممارساته الخاطئة.
التجاوزات الفردية للحملة الأمنية، قابلها تمرد مسلح وتجاوزات همجية بحق المواطنين واستخدام الأحياء السكنية كورقة ضغط، بهدف قطع الطريق على الحملة الأمنية، لكن الفارق يكمن في أن المطالبين ب " دولة على المقاس" سخروا أقلامهم الرمادية للنيل وشيطنة الحملة الأمنية، والتغاضي عن ممارسات المسلحين لدرجة أن المتابع لمنشوراتهم يظن أن الحملة الأمنية جاءت لإبادة المواطنين وهدم منازلهم!
لقد أصبحت فكرة الدولة مطية للتسويق السياسي والتنكيل بالخصوم، أكثر من كونها رغبة ملحة تتجسد في الفاعلية على الأرض، بل أصبح من يجسّد هذه الفاعلية من مؤسسات الدولة عرضة للتخوين والشيطنة انطلاقا من حسابات المال والسياسة لا المبادئ والثوابت.
عندما اقتحم الحوثيون عمران وسيطروا على معسكر اللواء 310 مدرع، كان بعض مثقفي اليسار ينتشي طربا بخسارة الجيش، لأن نظرته للمعركة بنيت على أساس أن ما يجري صراع بين بين طرفين متناحرين، وليس بين جيش دولة وميليشيا مسلحة، وذات النشوة كانت حاضرة لحظة سقوط صنعاء، السقوط الذي اعتبره اليسار العلماني سقوط للقوى التقليدية ليس إلا، بدلا عن كونه سقوط لعاصمة الدولة ومركز صناعة القرار، ولايزال اليسار يدفع بكل قوته لإلصاق تهم الملشنة والأخونة بحق الجيش الوطني في مدينة تعز، دون اكتراث لخطورة ما يمارسه من تضليل وتدليس.
ما أحوج اليمنيون وقد تقطعت بهم السبل إلى دولة، تحتوي آمالهم وتطلعاتهم، وتؤسس لمشروع جامع ينضوي في لوائه اليمنيون بكل أطيافهم ومكوناتهم، بدلا عن دولة مهترئة أضحت مطية للتدخل الخارجي والتراشق السياسي والارتزاق المالي وميدان سباق لتقديم الولاءات للخارج.
يحتاج اليمنيون اليوم إلى دولة بمقياس حاجتهم للدولة ذاتها، وليس بمقياس الأحزاب والجماعات التي دائما ما تفصّل المصطلح على مقاس الأهواء والمصالح، خاصة وأن الجانب النفعي أضحى هو السمة المشتركة بين جميع الأحزاب السياسية بدون استثناء.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية