عندما تدخل التحالف العسكري لدعم السلطة الشرعية، عقدت عليه آمال عريضة للتحرر والخلاص، لكن سرعان ما تبخرت الآمال عندما تاهت بوصلة التحالف، وحادت عن أهدافها المعلنة، وأدخلت البلد في حالة من التيه والضياع.
يزعم التحالف العسكري، أن تدخله جاء لدعم السلطة الشرعية في استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، لكن هذا التدخل أهان السلطة الشرعية وحولها إلى مجرد "خرقة" يستخدمها التحالف كلما احتاج إلى تنظيف ممارساته، فلا عادت مؤسسات الدولة، ولا انتهى الانقلاب الحوثي، ولا تحررت صنعاء ولا عادت عدن.
هل تعرض اليمنيون للخديعة؟ بالتأكيد. عقب الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014، كان أغلبية اليمنيون يتداولون في أحاديثهم اليومية مسألة الدعم الإماراتي السعودي للحوثيين لإسقاط صنعاء والقضاء على حزب الإصلاح، لكن هذه الأغلبية سرعان ما تناست ما كانت تتفوه به لمجرد إعلان السعودية والإمارات تشكيل تحالف عسكري لمحاربة الحوثي صديق الأمس، وكانت تلك خديعة لم يدركها اليمنيون إلا بعد عام تقريبا، عندما طفت إلى السطح حقيقة مكر التحالف، ورغبته في إدارة المعركة وفقا للأهواء والمصالح والضغوط والأطماع.
قبل أن يتدخل التحالف، كانت السلطة الشرعية تسيطر فعليا، على مساحة أكبر من تلك التي تسيطر عليها في الوقت الراهن، لإن المناطق التي تحررت من سلطة ميليشيا الحوثي، تحولت إلى سيطرة ميليشيا موالية للإمارات تمارس فيها العبث والجريمة على أساس العنصرية المناطقية، والإنتماء السياسي.
بعد أربع سنوات من تدخل التحالف تعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفق تصريحات المنظمات الإنسانية، وهذا لا يعني بالطبع براءة ساحة الحوثيين مما يحدث، إذ لهم اليد الطولى في إيصال اليمن إلى هذا الوضع البائس بالتعاون مع إيران، ولكن من المخزي أن يستغل التحالف هذه المأساة لخدمة أجنداته، في حين أن بوسعه التخفيف منها من خلال تمكين النشاط الاقتصادي الذي يتعرض للتعطيل المتعمد من التحالف نفسه، فضلا عن إيصال المساعدات الإنسانية وفق طرق أكثر دقة وفاعلية.
يحاول التحالف أيضا، تخيير اليمنيين بين سلطة اللادولة الحوثية في شمال البلد، وبين سلطة اللادولة الموالية للإمارات في جنوب الوطن، مع عدم السماح بتمكين مشروع الدولة الذي يتطلع إليه اليمنيون، وعلى أساسه بُني تدخل هذا التحالف، وهذا ينسف أهدافه المعلنة التي جاء لتحقيقها.
بعد أربع سنوات على تدخل التحالف، يمكن القول أن السلطة الشرعية والتحالف فشلا في تقديم نموذج محترم للدولة في المناطق المحررة جنوب البلاد، فالسلطة الشرعية قبلت بالأمر الواقع وطاب لها البقاء في الفنادق الفخمة، والتحالف تعمد إضعاف سيطرة السلطة الشرعية على الأرض، ونجح بشكل كبير في مصادرة القرار السياسي والعسكري وتشكيل جيوش مناطقية، بالتوازي مع التفرغ لمشاريعه التدميرية والتوسعية دون اعتبار للقيم والقوانين الأخلاقية والسيادية.
قبل أيام دعا وزير النقل صالح الجبواني إلى إنهاء دور الإمارات ضمن التحالف، وهي نفس الدعوة التي أطلقها من قبله محافظ المحويت صالح سميع، وهذه الدعوة التي سبق وأن طالب بها الشارع أضحت ضرورة اليوم ملحة لحل جزء أساسي من المشكلة، على أن يتبعها خطوات أخرى جريئة لتصويب العلاقة مع السعودية، أو البحث عن حلفاء جدد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تسقط البلد في قعر لا نهاية له.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية