75 يومًا، قضاها نبيل شمسان، محافظ تعز الجديد، منذ تعيينه بعيدًا عن محافظته، تنقّل خلالها بين الرياض والقاهرة وعدن، حتى وصل مدينة تعز يوم أمس، وسط حفاوة متوقعة من وكلائه ومدراء عموم المكاتب التنفيذية، وموظفين تابعين للسلطة المحلية، وهذا ليس بجديد على مسؤول يحظى بالمسؤولية الأولى والأعلى في المحافظة.
ما استجد برأيي، أن المحافظ تناول في أول لقاء له بالصحفيين والإعلاميين مشاكل تعز العويصة والمحورية، والتي لن تُحل في ليلة وضحاها، وتحتاج إلى أشهر من التخطيط، وأشهر من التنفيذ، وميزانيات مالية ضخمة، وتحشيد شعبي يواكب كل ذلك، وهذه المشاكل والملفات الشائكة، ليست وليدة اليوم، بل تراكمات صنعتها الحرب والمناكفات السياسية وسوء الإدارة خلال الأربع السنوات الماضية، كما أن المحافظ على اطلاع ومتفحص لكل تلك الملفات، وما وافق على إدارته لتعز إلا وفق وعود وضمانات تقتضي حلولًا ناجعةً بعيدًا عن ما حدث للمحافِظَين السابقين، اللذين واجها الكثير من موجات الغضب الشعبي، المصحوبة بالشحن السياسي من قبل أطراف بعينها لم يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، ولا ما قدمه المعمري وأمين محمود.
وما لم يستجد، وغير المتوقع بأن يتناوله، تمثل في أزمة المياه التي تخنق تعز منذ شهرين كاملين، حتى صلاة الاستسقاء التي دعا إليها، لم تشفع لنا بنزول المطر، إضافة لأزمة المياه، هناك جائحة الكوليرا، التي عاودت مهامها لاكتساح مناطق برمتها في المدينة والريف، والمسؤولون الصحيون مكتفون بالمشاهدة رغم مناشدات مستشفيات حكومية لها بتدخل يخفف من وطأة الوباء الذي انتشر دون سابق إنذار.. يا تُرى هل يعرف شمسان بهذا؟
أتمنى أن يكون على اطلاع باحتياجات الناس اليومية، الضرورية والعاجلة، وأن يهاتف مسؤولي الصحة والتعليم والتخطيط والنظافة والتحسين والمياه والصناعة والتجارة والإغاثة بشكل يومي، ويطلع من خلالهم على ما فعلوه، وفي المقابل يفتح أبوابه للمواطنين جميعًا على حد سواء، دون وساطة فلان أو علان، أو تبعيته للحزب الحلواني دونًا عن حزب فرغلي، ويعالج شكواهم اليومية وبحلول فورية، يرتجي بها رضا الناس، ويبعث فيهم الأمل والطمأنينة.
ما نرجوه من شمسان، ألا يكون نسخة من سابقيَه، المعمري وأمين محمود، وأن لا يكون إمعة، ولا يجتهد في إرضاء طرف دون آخر، وأن لا يلبي سوى مطالب العامة ذوي الاحتياجات المعيشية، المتقلبين في جحيم المعاناة التي فرضتها الحرب وفاقمتها الخلافات السياسية الداخلية وزادتها سوءًا الإدارة السيئة الغير مقيدة بضوابط إدارية مبنية على الثواب والعقاب وتنفذ مهامها حسب إملاءات الانتماء والرغبات الذاتية والمحسوبية والوساطة، وهذا وباءٌ استشرى، وآن أوان وأده والالتفاف لاستئصاله وإزالته من معاملات الناس اليومية، واستبداله بالكفاءة والاقتدار والخبرة الحسنة.
من الجميل أن يصبح الرجل مألوفًا من الجميع، لا يخشى من أحد، يضع نصب عينيه تعز وسكانها، ويتصل بهم من خلال مكتبه، ويضع لذلك أوقاتًا مناسبة بشكل يومي، ولا يسمح بتزييف الحقائق واستهلاكها في مشاريع دونية تستخدم للصراع الحزبي وصناعة شخصيات اعتبارية ليس لها سوى المظاهر وافتعال المشاكل لزعزعة الأمن وتقويض مساعي لملمة شتات تعز ومعالجة إشكالياتها وتوفير احتياجاتها من ماء وكهرباء وغاز ووقود ودواء وغذاء والترحيل اليومي للقمامة وحسن المعاملة من المؤسسات الخدمية والإدارة الحسنة والتفاعل العاجل والحل الفوري...
بعد ذلك كله يأتي التحرير كحل شامل لكافة المشاكل، إن أُدير بمثالية، ولكنه لن يكون حقيقة ماثلة للعيان دون تطبيع كلي للحياة، بتوفير متطلبات العيش الضرورية، ووضع حد للاختلالات الأمنية والعسكرية، والتفعيل الكلي للمؤسسات الحكومية على رأسها الصحية والتعليمية والخدمية، ثم بعد ذلك يكون التحرير، فالبدء بترميم الداخل أولى من فك الحصار المفروض، ومعالجة الجرحى وملفهم المهم، والعناية بأسر الراحلين، وفض الصدام الإعلامي القائم بين الإصلاح والناصري، خير من مساعي فك الحصار، التي لن تنجح ما دام شركاء الأرض والمصير في عراك وجدل دائم تارةً لسوء الفهم السائد وتارةً للتنافس السياسي القائم على السعي للحصول على المناصب، وياليته تنافس من أجل خدمة الناس، بل للظفر بالمنصب، والحصول على امتيازاته الداخلية والخارجية، وهذا أضر تعز كثيرًا، وشوهها، وجعل منها ساحةً لعراك بيني تؤججه المنصات الإعلامية والأقلام التابعة للجناحين، وبينهما مئات الآلاف يدفعون الثمن.
من الجميل أخي المحافظ أن تنعم بحب الناس وشغفهم، لكن ذلك يحتاج منك أن تكون قريبًا منهم، فلا تركن في الطريق إليهم لحزب أو مؤسسة أو كيان ما، اقترب منهم وحدك، وعالج قضاياهم، وأنعش آمالهم، وكن منهم وإليهم، ولا تتبع سبيل المهرفين الذين لا يرجون سوى تحقيق مصالحهم الشخصية، وستواجه من هؤلاء الآلاف.
كلي ثقة بأنك ستكون رفيقًا لتعز، محبًا، مخلصًا، نبيلًا، طبيبًا لكافة أسقامها، منتميًا إليها، واضعًا نصب عينيك ما قدمته في مسيرتها الجمهورية طوال الحقب اليمنية، وهو ما تستحق عليه الثواب لا العقاب، فمدها بالأول، وصُد بالثاني كل من أراد أن ينال منها...
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل