لم نعد ندرك شيئًا مما يجري في البلد، ولم تعد هذه الحرب محل يقين، بأنها حقيقية، لها أسبابها الجوهرية التي ترتبت عليها، وجعلت منها قدرًا جاء معه بجحيم المعاناة لليمنيين إلى الأبد.
لليمنيين التائهين في مخلّفاتها الكارثية وليسوا أولئك المعتاشين منها، والملتفين حول توجهاتها وعوامل نشوبها القهرية، التي يعرفها فلان وعلان، وتشرف على تنفيذها إمبراطوريات الصحراء، فيما لا يجني اليمنيون غير المآسي المتجددة من حين لآخر، وهي أيضًا من الواضح بأنها مفتعلة – أعني المآسي- للحصول على مآرب جمة سواء لمنظمات الغذاء أو حتى الإسناد وصناعة الوعي المجتمعي، في زمن لا يقبل سوى بأصوات المدافع وأزيز الطائرات!
4 سنوات مرت من عمر الحرب في اليمن، ونحن عاجزون عن تشخيصها، ما إذا كانت جراء تراكمات تمتد لثمانية عقود من الزمن، لها شوائبها المتعلقة بها، كصراع بين الملكية والجمهورية، أو بين الماضي والحاضر، أو مواجهات مناطقية كتلك التي كرست لها الدولة المتوكلية وسلفاتها، أو تصفية حسابات بين المرتهنين للأفكار المستوردة، والأيدولوجيات التي اقتحمت الحياة اليمنية، وأخذت منها الكثير بالقدر الذي أضافته وزيادة.
ما زلنا نقف مشدوهين أمام كل الأحداث المترتبة بسبب الحرب، ومستجداتها التي تعطيها أنفاسًا جديدةً، وصورًا أخرى للمزيد من التعقيد، تحت مبررات تطال الكيان اليمني وتعمل على تهرئته وإعادته إلى زمن اللاعودة، وهذا تكهن يجعل من الحرب قدرًا، لا صلة لها بالإقليم العربي، ولا بتوجهات القوى الكبرى في المنطقة.
أما ما نحن مغيبون عنه، فهو مسار الحرب الآخذ في التفاقم يومًا بعد يوم، مصحوبًا بالأبعاد والتبعات الإقليمية والدولية، وهذا ما يفسر الشتات الحاصل على مستوى الحكومة الشرعية، التي يُفترض أن تكون ذات سيطرة منطقية؛ نظرًا للدعم اللوجيستي والاعتراف الدولي الذي تحظى به، ومساحة السيطرة على الأرض، حتى وإن كانت وهمية، إلا إنها تؤخذ في الاعتبار، كعامل من عوامل القوة والتفوق، وكل ما سبق، ضره أكبر من نفعه، بالنسبة للحكومة والمناصرين لها وأتباعها، فما هو ظاهر ليس كالباطن؛ إذ تجثم أزمات شتى على امتداد مناطق السيطرة الحكومية، سواء الاحتياجات المعيشية الضرورية، أو حتى على مستوى التنظيم والإدارة، وحتى الجانب الأمني والعسكري، الذي ما زال تائهًا، من حيث التبعية والدعم والتوجه، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام، ويقودنا في كل الأحوال إلى لغز الخذلان، الملازم لكل ردة فعل تحاول منع الحوثيين من التوسع والسيطرة على مناطق ذات امتيازات جغرافية ومناطقية، تمنحها بعضًا من التفوق المرحلي، واستعادة أنفاسها مؤقتًا، كالذي حدث في كُشر، وحجور على وجه التحديد، بعد أن قاومت قبائل المنطقة طوال أسابيع، بأسلحتها الشخصية، وبإمكانياتها المتوفرة منذ حرب 2013.
الكثير من الرسائل المثبطة، والمنبئة بما هو أسوأ، حملتها لنا حجور، منذ أول يوم من مقاومتها، حتى اقتحامها، وتمكنُ الحوثيين من السيطرة عليها، وكل هذه الرسائل تنضوي تحت لغز الخذلان، الذي نال هذه المرة من حجور، محطته الأخيرة، ولن تكون الأخيرة من حيث الضحايا، فالقائمة ستطول، والهدف يتجاوز مشاعرنا وأمنياتنا ودموعنا وآلامنا ومعاناتنا وحتى دمائنا المسفوحة على امتداد رقعة البلاد، وهو ما لا ندركه نحن، ويعلمه يقينًا كثيرون من السياسيين والعسكريين الذين أداروا الكثير من حلقات مسلسل إهدار الدماء اليمنية، إرضاءً لجنح أو ترضيةً لطرف، وقبل ذلك تمريرًا لمشاريع وأطماع إقليمية ودولية، تأخذ من اليمن محطة تزوّد للوصول إلى نهاية الطريق، منذ سلك النظام الجمهوري، وتعدد الأهواء، وتوج ذلك بصعود صالح، الرجل الذي كرس جهوده لخدمة الأنظمة الدولية ومآرب جيرانه المتخمين، مستخدمًا أساليب متنوعة للبقاء على رأس السلطة، خادمًا لهم، وزعيمًا علينا!
خُذلت حجور وهي تصد من أجل الجمهورية، خُذلت وهي تستغيث، ولم يحرك ذلك شيئًا في ضمير الحكومة الشرعية أو حتى أصحاب القرار العسكري، الذين كانوا يستطيعون تجربة كافة الحلول المتاحة لإنقاذها، ولكنهم لم يحاولوا، واكتفوا بالمشاهدة والاستماع لما يحدث، وكأنه في جنوب السودان، حتى الذين قالوا أنهم تدخلوا لإنقاذ اليمن، حاولوا على استحياء لحفظ ماء وجوههم، في محاولات إعلامية أكثر مما هي فعلية وملبية للاحتياج، وذلك كله كان في إطار حزمة الإجراءات التي مهدت لسقوط حجور، وما زالت كفيلة بفك طلاسم لغز الخذلان المصاحب للحالة اليمنية في أي عملية مقاومة تحاول ردع المتمردين من أجل أن تقوم للجمهورية قائمة، ويعلوا لها صوت.. ولكن في ضوء ما يجري فهيهات هيهات أن يُقدِمَ أحدٌ على فعل جمهوري مصيرُه الخذلان، ووعود كاذبة لا تقدّم ولا تؤخّر!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل