خمس دقائق فقط، فصلت بين وصولي إلى مقر عملي، وسط شارع جمال، وبين انفجار عبوة ناسفة محلية الصنع، في سوق دي لوكس بالشارع ذاته، مخلفًا قتيل وأحد عشر جريحًا، في واقعة تضاف إلى قائمة الاستهداف الممنهج لجهود تطبيع الحياة في المدينة المثقلة بمخلّفات الحرب وآهاتها التي لا تنتهي، وتتضمن أيضًا تشتيت عملية استتباب الأمن، الذي يحاول الانتعاش مؤخرًا، رغم المآخذ الجمّة التي تؤخذ عليه في إطار سرعة الحكم وردات الفعل الغير مدروسة في كذا موقف!
من يتتبع الوضع في تعز، يمكنه الوصول بشكل من الأشكال إلى نقاط اتفاق، يمكن أن يبني عليها الكثير من الآمال المستقبلية للمدينة التي ما تزال رهينة للتجاذبات البينية، والمماحكات السياسية، والتباينات التي نتوقع منها أن تقوّم العمل، بدلًا من توقيفه، وإقحام المستفيدين من عامة الناس في ذات الدائرة المفروغة من الاهتمام الإنساني، والمملوءة بالمصالح المتجاوزة لكافة الاعتبارات الإنسانية، والاحتياجات البشرية.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها زرع عبوة ناسفة، فقد سبقتها أحداث مشابهة، وهذه تندرج ضمن مساعي خلط الأوراق، التي تجتهد من جعل تعز مدينة فاشلة على مستوى المناطق المحررة التابعة للحكومة الشرعية، ولاستخدامها دوليًا ضمن فزاعة عدم الاستقرار التي تحكم بشكل نهائي على عدم قابلية المدينة للعيش من عدمه، وأنها مثار شبهات عسكرية واختلالات أمنية، وأن من يتحكم بمصيرها هو طرف بعينه، وسط تجاذبات ومواجهات مسلحة مع أطراف أخرى تختلف معه ايدلوجيًا وسياسيًا، وقد أشارت لذلك تقارير سابقة من لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، وكذلك تؤكده حالة عدم التفاعل الإيجابي من التحالف العربي مع مطالب التحرير لمدينة معلّقة منذ نحو أربع سنوات.
قبل أشهر قامت الحملة الأمنية بجهود تفوق الوصف، مجففةً مصادر العناصر الخارجة على القانون، التي كانت تعبث ليل نهار بأمن تعز الداخلي، وتستهدف كيانات الجيش الوطني، ليتوه عن هدف التحرير الذي يلازم السكان المحليين منذ سنوات، وهذه الحملة كانت جديرةً بالاهتمام والالتفاف الشعبي لما لها من نتائج كبيرة سواء للسكان أو لمساعي تطبيع الحياة وعودة المؤسسات الخدمية للعمل، ومع ذلك كله واجهت الكثير من الصعوبات حتى على مستوى اتخاذ القرار والدعم والمساندة من قوى سياسية ومسؤولين محسوبين على الحكومة، وكأن شأن الأمن وإعادة تهيئة الوضع بما يلائم احتياجات السكان ويعمل على تلبيتها لا يروق للكثيرين من تجار الحروب، الذين لا هم سوى أن تبقى تعز مفخخة من الداخل، قابلة للانفجار متى ما أرادوا!
وقبل أشهر أيضًا، انتزعت اللجنة الرئاسية المكلفة من هادي فتيل توتر استمر أشهر بين فصائل وكتائب تابعة للجيش الوطني خلّف قتلى وجرحى مدنيين، واضعةً بذلك حدًا لمرحلة دقيقة وحرجة من تاريخ تعز الواقعة في إطار جغرافي تسيطر عليه مليشيا الحوثي من ثلاث جهات، فارضةً عليها حصارًا خانقًا منذ أغسطس 2015م.
ما يراد لتعز أن تلعبه بشكل محوري تفرضه الأحداث المتواترة بشكل يومي على امتداد رقعة المواجهات المسلحة مع الحوثيين، كونها تمثل حلقة الوصل بين شطري البلاد، ولأهميتها التاريخية كملازمة للحقب اليمنية المتعددة وشاهدة على التغيرات الجذرية في عمر الكيان اليمني، لذا لا يقبل الحوثيون أي محاولة لتغيير المشهد المفروض على تعز، ولا تتفاعل الحكومة الشرعية مع ما يمكن أن يصنع الفارق ويضع حدًا لمعاناة مئات الآلاف فيها.
ما يجدر بتعز اليوم أن تلملم شتاتها الداخلي على وجه السرعة، وتتوافق قواها السياسية، وتكف عن المناكفات التي تئد كل تقارب محتمل، وتتحاور فعليًا لتجاوز خلافاتها، وترسيخ ثقافة القبول بالآخر، والتوجه الفعلي للتحرير المنتظر.
حري بمحافظ المحافظة أن يصل لممارسة مهامه من الميدان، أن يرتب الأوراق العسكرية والأمنية، ويشرف شخصيًا على تقديم خدمات ملموسة عبر مؤسسات الدولة، أن يستجيب لاحتياجات الناس الضرورية، ويأخذ بأيديهم لتجاوز الأزمات المصطنعة في المياه والغاز ووضع حلول نهائية لذلك، وأن يكون عامل قوة لمحافظته التي قدمت الكثير والكثير لليمن عبر التاريخ.
على أبناء تعز أن يلتحموا، ويصطفوا في وجه عصابات التفخيخ التي تستهدف وحدة المجتمع التعزي، وتحاول تشويه الصورة المثالية للحالمة تعز، والنيل من مبادئها السلمية المنتمية لعمق الثقافة اليمنية الأصيلة، علينا أن نكون في صف تعز، معها ولها، لا عليها.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل