عندما نتحدث عن الحرب النفسية، فإننا نتحدث عن حرب تستخدم فيها كافة الأساليب الدعائية ووسائل الإعلام بهدف إضعاف وكسر الروح المعنوية للعدو من الداخل، حتى يسهل السيطرة عليه بأقل قدر ممكن من الخسائر.
بالنسبة للحوثيين، فإنهم استخدموا كافة الأساليب الدعائية والإعلامية، لتحسين صورتهم في الأوساط الشعبية أولا، وكسر معنويات خصومهم ثانيا، وعمدوا إلى تطبيق سياسة الصوت الواحد، حتى تحدث حربهم النفسية أكبر قدر من التأثير، ولذلك نجد أن من أوائل الخطوات التي اتخذها الحوثيون عند انقلابهم على إرادة الشعب، هو إغلاق مقار ومكاتب جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة المناوئة لهم أو المستقلة، وقاموا أيضا بحجب كل المواقع الخبرية على شبكة الإنترنت، حتى يتسنى لهم تطبيق سياسة الصوت الواحد، ويبقى المجتمع أسير لما تبثه وسائل إعلامهم وأبواقهم الدعائية من معلومات كاذبة ومضللة، استنادا على المقولة الشهيرة: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس".
إنها حرب نفسية فرضها الحوثيون على اليمنيين كافة، واستخدمت فيها كل الوسائل المتوفرة، واستغلت فيها المناسبات الدينية كالمولد النبوي والبعد التاريخي كمقتل الحسين والمشاعر العاطفية خلال الأزمات خدمة لأجندتهم الخبيثة في التأثير على الجماهير وإخضاعها، وخلال ذلك كله استخدم الحوثيون أموال الشعب في حربهم النفسية على الشعب نفسه، وبالإضافة إلى امتلاكهم الإعلام الرسمي للدولة والوسائل الخاصة التي تغطي مساحات واسعة، لجأ الحوثيون إلى طبع آلاف اللوحات الدعائية وتعليقها في الشوارع والأزقة، وطبع مئات آلاف من الكتب المروجة لمشروعهم السلالي البغيض.
يمكن القول أن الحرب النفسية الحوثية، حققت تقدما كبيرا في بادئ الأمر، عند استغلالهم عواطف الشعب تجاه أزمة المشتقات النفطية عام 2014، واستخدامها لتعبيد طريق انقلابهم المشؤوم على مؤسسات الدولة، وإلباسه لباس الثورة الشعبية، إذ أن الجماعة الحوثية من خلال تبنيها لمطالب شعبية بخفض أسعار المشتقات النفطية، قدمت نفسها كجماعة ثورية لكن سرعان ما انكشفت سوءتها بانقلابها على مؤسسات الدولة واستيلائها على مقدرات البلد.
الحرب النفسية الحوثية وما يندرج في إطارها من كافة أساليب الدعاية والإعلام، نجحت أيضا في تضليل فئة كبيرة من الشعب، في كون الحوثيين أحفاد صلى الله عليه وسلم، مع عدم وجود ما يثبت هذه الفرية، التي يحاول الحوثيون ترسيخها كما لو أنها حقيقة تاريخية لا تقبل النقاش، ومن المؤسف أن تجد هذه الفرية قبولا في أوساط المثقفين والسياسيين الذين يسوقونها في تناولاتهم وأطروحاتهم.
شيطنة الجيش الوطني، وتوصيفه بالدعشنة والإرهاب، كان من أبرز أهداف الحرب النفسية التي قام بها الحوثيون، في سبيل تشويه صورة الجيش الوطني، وإحداث شرخ في العلاقة بينه وبين الحاضنة الشعبية، وفي هذا الإطار وظّف الحوثيون جميع الانتهاكات والأعمال المسلحة غير المسؤولة وحالات الانفلات الأمني للنيل من الجيش الوطني، وإظهار المناطق المحررة كما لو أنها مساحة يحكمها وحوش بشرية يتوجب الخلاص منها، ويروج الحوثيون أنهم ما جاءوا إلى هذه المساحة من الأرض إلا ليخلصوا أهلها من بطش الجماعات الإرهابية كما يزعمون، في حين أن ما يحدث في مناطق سيطرة الحوثيين من جرائم وانتهاكات أبشع بكثير لكن القبضة الحوثية على المجال الإعلامي تمنع ظهور آلاف القصص المأساوية.
يمتلك الحوثيون آلة دعائية ضخمة تشكل رأس حربة في الحرب النفسية، إلا أن تنامي حالة الوعي الشعبي بحقيقة هذه العصابة المارقة، حال دون نجاح هذه الحرب النفسية الحوثية ومساعيها لتضليل واستغباء الشعب، كما أن وجود متنفس إعلامي لا يتحكم به الحوثيون كان من أبرز العوامل التي لعبت دورا في الحرب النفسية المضادة، إذ إن منصات التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في فضح أكاذيب الحوثيين وتبيان حقيقتهم، كما أنها شكلت من خلال عدد من النشطاء والإعلاميين إعلاما عسكريا قويا في نقل معارك الجيش الوطني، وتوثيقها بالصوت والصورة أمام الجمهور الواسع الذي يستخدم هذه المنصات.
لكن يبقى أهم عامل في صمود الشعب والجيش في مواجهة الحملة الحوثية العسكرية والنفسية، هو إيمانهما بعدالة القضية، واعتبارها قضية مصيرية لاي مكن التفريط بها، وهذا ما ولد إرادة قوية بضرورة المواجهة العسكرية، والتصدي لكافة أشكال الحرب الحوثية، العسكرية أو النفسية أو الاقتصادية، وهذا بدوره أسفر عن تحرير مساحة واسعة من الأرض اليمنية، كانت تحت قبضة الانقلاب الحوثي.
معركة الوعي الشعبي في مواجهة الحرب الدعائية الحوثية، جزء مهم من المعركة العسكرية والسياسية في مواجهة الانقلاب، ويجب خوضها على كل صاحب قلم حر وضمير حي، حتى لا تتحول الأكاذيب إلى حقائق تدرسها الأجيال من بعدنا.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية