لن نفرط ببلادنا مهما طالت الحرب وأوجاعها، هذه بلادنا وأرضنا ونحن أبناؤها ولا يمكن أن نجد بديلاً لذلك، سواء كنا نازحون او هاربون أو مغتربون او لاجئون، نحتاج وطننا وكل تفاصيل وذكريات حياتنا، أزقة حارتنا الضيقة، وتجاعيد أجدادنا، والوجوه الشاحبة لأهالينا الممتلئة بغبار الأرض، هذا هو انعكاسنا في هذه البلاد الموجوعة بالحرب والتي تأن من المأساة التي حلت بها.
لن نستسلم لعصابات السطو على الأوطان والميلشيات المنفلتة التي افقدتنا وطن كبير كان يسعنا جميعاً، وارتكبت أبشع الجرائم بحق اليمنيين بمختلف فئاتهم، وتحولت إلى مشروع موت ومقابر شاسعة توزع في المدن والقرى على حد سواء، تُبشر فقط بمشروع الموت والاصطفاء العرقي، ذلك الظلام القادم من العهد البائد الذي رفضه اليمنيون قبل أكثر من خمسة عقود من الزمان، حين خرج الأجداد بسيقانهم العارية يقاتلون ببسالة حتى انتصروا.
لن ينجو المسؤولون اللصوص الذين سرقوا قضية شعب وحولوها إلى مكسب مادي استطاعوا من خلالها المتاجرة في الإقليم للحصول على مستحقات شهرية وإقامات في فنادق فارهة وسفريات بين الدول، كل همهم فقط تأمين مستقبل ابناءهم في احتكار الوظيفة العامة، لم يعرفوا قيمة الوطن الذي يحبه الفقراء حتى الشهادة، جعلوا قضيتنا العادلة مثيرة للسخرية في موائد لئيمة وتهريج اعلامي ساذج، عاشوا خارج البلاد بكروش منتفخة وضمير ميت يشاهد الموت والقهر والجوع يأكل الأجساد النحلية حتى ينهي وجودها.
كيف ينام أولئك المسؤولين الذين يتقاضون رواتب شهرية باهضه، تكفي خمسين أسرة تعيش تحت خط الفقر، هل يحسّون بوجع الجوع الذين يداهم الأطفال ليلاً ولا يجدون ما يأكلون ثم يبكون بدموع حارقة وينامون على فراش القهر ينتظرون الأمل بخبز، كل هذه الأوجاع عصية على النسيان والزمن كفيل بمحاسبة أولئك الفاسدين الفاشلين الذين سرقوا حلم المواطنين من أجل ذواتهم فقط.
أربع سنوات من الحرب استطاع مسؤولو تأمين أنفسهم فقط لم يقدموا شيء نستطيع أن نقول إنه غيّر من الوضع السيئ لطريقة إدارة المناطق التي يطلق عليها "محرره" لا يزالون أتباع بلا قرار ولا يستطيعون حتى ان يقولو لنا شيء مما يدور، كل ما نعرفه أنهم نخبة سياسية رديئة معطوبة الضمير لن يغيروا من واقع الحرب شيء أو لن يصنعوا سلام ايضاً، الجبناء والضعفاء دائماً في مزبلة الفشل تحت وطأة لعنات التأريخ.
أما عن الخارج فلن يعطينا شيء هو يبحث عن أهدافه وأجنداته الخاصة التي يريد تحقيقها بطريقة او أخرى وعن طريق أي طرف يسانده أو يقف معه، تلك القوانين الانتهازية للعلاقات الغير ندية مع الدول الضعيفة والتي تمر بأوضاع سيئة تحت ضغط الحاجة للدعم، وحالة التبعية والارتهان للخارج تقول لنا ان الجميع سيمررون أجنداتهم من خلالهم بكل سهولة هم بلا قرار ولا مسؤولية لأنهم لا يكترثون للشعب الذي فرضوا عليه كممثلين في زمن الحرب والسلاح.
في والحقيقة إن الدول التي تسلم نفسها للمجتمع الدولي (الأمم المتحدة) ستضيع ولن تستقر فقط سيتم إدارة الصراع لأكبر فترة ممكنة واستغلال ذلك في جباية الأموال من أجل الإغاثة وتحويل اليمنيين إلى طابور طويل من الفقراء يتذللون لموظفي الأمم المتحدة للحصول على الغذاء والدواء، وهذا الإذلال ينتهك كرامة اليمني الذي بني أرضة قبل آلاف السنين وصنع حضارة لازالت شامخة إلى الآن.
أما نحن لن نترك بلدنا تضيع منّا لا تزال الروح اليمنية قادرة على إحداث تحول ومعجزة، ستدور عجلة التأريخ حتماً وسيتغير كل شيء وسيجد كل واحد موقعة الطبيعي في هذا البلاد التي ستلفظ على الوسخ الذي علق فيها وكل المرض الذي استوطن فيها سواء من أولئك الفاشلين الذي تسببوا بهذا الخراب وتحولوا إلى أثرياء من الوجع الذي خلفوه، أو أولئك الذي سطوا على الدولة بالسلاح ودمروا كل شيء.
سنبقى بلاد كبيرة ذات إرادة عظيمة ولن نتخلى عن شعور الاعتزاز بانتمائنا لبلادنا المنهكة، نحن معجونون من ترابها ومائها وهوائها، عندما يتسلل اليأس إلينا سنغني نشيدنا "حقنا جاء من أمجاد ماضيك المثيرة هي أرضي زرعت لي في فمي.. بسمة الخير وناب الضيغم".
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم