نطوي عام آخر من الحرب والوجع الذي يعيشه اليمنيون منذ اندلاع الحرب وسقوط الدولة تحت سطوة الميلشيات، ليفقد الناس آمالهم في الأمنيات في انتظار الخلاص من الكابوس الذي يعيشونه وعودة الدولة ومؤسساتها لحماية الجميع، لكن هذا الانتظار يطول وتمر السنة الرابعة على التوالي دون جدوى.
لا أحد من اليمنيين يمكن أن يحلم او يتمني مع بداية العام سوى أن تنتهي الحرب ويعم السلام البلاد، ويعيشون تحت ظل دولة تحميهم وتحقق لهم مناخ مناسب للأمل بتحقيق الأمنيات المفترضة بلا منغصات، هذا كل ما يريده المواطن العادي، غير أن الحرب وتجارها الأثرياء لا يمكن ان يشعروا بهذه الأمنيات البسيطة للناس، كل ما يهمهم أنفسهم وكيف ينتصرون في حماية مكاسبهم فقط.
في الحقيقة لا يهتم الفقراء والجائعون ببدايات الأعوام ونهايتها ولا يكترثون لمرور السنوات مادامت حاجتهم مستمرة وأمنياتهم لم تتعدى الحصول على الطعام والسكن فقط ويسعون للحصول على ذلك ليل نهار، يعملون طوال النهار ويواجهون كل المشقات والاوجاع، وبعضهم يتألم خلف جدران منزلة إما مريضاً أو عفيفاً لا يريد أحد ان يعرف عن حالته شيئاً يصارع انكساره وحيداً.
في بلاد مقسمة إلى نصفين واجندات كثيرة وحرب مستمرة، يضيع الاهتمام بوجع الناس ومأساتهم، ويكبُر المنتفعون من الحرب الذين يتقاسمون الجغرافيا الموجوعة بالمأساة والتي ترفدهم بالمال والثراء حيث يتم شراء العقارات والشقق السكنية خارج البلاد، وتفتتح شركات واستثمارات جديدة، من قبل أولئك الذين يطلق عليهم مسؤولين حكوميين مقيمين خارج البلاد من جهة، والحوثيون الذين باسم الحرب والصمود استطاعوا تكوين ثروات هائلة.
وفي اللحظة الذي يبحث المتحاربون الأثرياء من الحرب عن اتفاق للسلام يحاولون ذلك تحت غاية واحدة ومشتركة هي "مصلحتهم فقط" وعلى هذا الأساس يتفاوضون وكأنها تجارة قابلة للربح أو الخسارة أو الخروج بأقل الخسائر على أقل تقدير، ولا يكترثون لمصير المواطنين ومستقبلهم يستخدمونهم فقط للمزايدة على بعضهم وللمتاجرة بأوجاعهم ودمائهم أمام العالم وفي الإعلام وتلك مهمة عديمي الضمير والمسؤولية.
وما بين الحرب ومصالح تجارها الرابحين، يتحول اليمنيون إلى أرقام في تقارير المنظمات الدولية، وفيات، ومصابين بالأوبئة، ومرضى بلا علاج، ولا يستطيعون تأمين قوت يومهم، وتحت خط الفقر، وعلى وشك المجاعة التي تؤدي للوفاة، في أزمة هي الأسوأ على مستوى العالم منذ 100 عام، بحسب تصريحات مسؤولي الأمم المتحدة، وعلى هذا تزداد أرقام المليارات للمساعدات الإنسانية في كل عام حيث تطورت من مليار ونصف في 2015 إلى أربعة مليارات في العام المقبل 2019، والأرقام قابلة للزيادة.
تتدفق المليارات ولا يرى اليمني سوى الفتات، والربح الوفير يعود بالطبع لأولئك النافذين الذين يقدرون على النهب أكثر، وفي ضمير معطوب يأكلون الطعام من أفواه الجائعين بحسب ما ذكر برنامج الغذاء العالمي. وأيضاً تذهب تلك الأموال الهائلة كرواتب باهظة لموظفي الأمم المتحدة وللنثريات الكثيرة واحتياجات المركبات المدرعة والبرستيج الأممي المعقد، الذي استفاد من الحرب مثل أولئك التجار المتحاربون.
في نهاية العام نحصد خيباتنا نحن المواطنون الذين خُذلنا من قبل الجميع واستغلنا الجميع للحصول على الرِبح، لكن ذاكرة اليمنيين تحتفظ بكل الأوجاع، ولا يمكن أن يتجاوزها الزمن، سيذهب أولئك يوماً ما إلى مزبلة التأريخ، وتلفظ اليمن كل تلك القاذورات والأمراض كما فعلت في تأريخها الطويل، وتعلن الحياة من جديد رغماً عن أنف الحرب.
اقراء أيضاً
الصين واليمن
هل كان لدينا جيش؟
"غريفيث" وتسويق الوهم