ليس جديدًا، أن تقف الأمم المتحدة موقفًا تقرأه أطراف الصراع وفق تعاطيها مع المنظمة الأممية، فكلٌ يغني على ليلاه، وكلٌ له معطياته التي يبني عليها، ومؤيداته التي يستمد منها قوته.
إنها ببساطة رحلة صراع بين قوىً علنية تتصارع على اللا شيء؛ فتخلّف الموت والدمار والفساد الممنهج لكافة مجالات الحياة، فيما لا تأبه لذلك القوى المُغذية، أو بالأحرى الداعمة والمستفيدة من بقاء بلد كاليمن معلقًا، بين الحرب والسلام، يجنح للأولى ولا يقترب من الثانية، فإن تحقق شيء من سلام فلا قيمة لكل ما ارتكبوه للوصول إلى مآربهم الخفية.
ما لا نعيه نحن اليمنيين يتمثل في كون الدول التي تقف خلف المشاريع الداخلية المتقزمة ترى أنها ذات مشروعية فيما تقوم به؛ فهي تقوم بما تمليه مصالحها إذ تعتبر ذلك من صميم أمنها القومي، ودافعًا مهمًا للسيطرة على منافذ بحرية وجغرافية إستراتيجية على مستوى الخارطة الإقليمية، في وطن يُعد مرتعًا خصبًا لتفنيد مراحل صراع طويلة، وبلدًا يملك الأهلية كلها لرفد خزائنها بالأموال الطائلة، كونه بكرًا لم تُسبر أغواره بعد.
ما لا نعيه أيضًا، أننا نُستخدم كورقة رابحة في ظل صراع مجهول النهاية، لكنها ورقة ذات عمر محدود، حتى إذا ما انتهت رُمي بها في فناء هامشي، لتواجه مصيرها بنفسها، وهذا ما نتجه إليه؛ نظرًا للتقلبات السياسية والفجوات الاقتصادية المتفاقمة من يوم لآخر إقليميًا وعالميا.
وما لا يعيه اليمنيون جميعًا في الشمال والجنوب، أنهم حالة استثنائية من صراع عصف بالمنطقة كلها، فحولها إلى كومة من الدمار؛ بفعل النعرات المصطنعة التي أججت الحروب البينية، وجعلت منها ميزةً عربيةً خالصة، فالجنس الواحد، والدين الواحد، واللغة الواحدة، والثقافة الموحدة، والجغرافيا المشتركة، وقواسم العرف والتقاليد التي تجمع العرب برمتهم، تحولت بين ليلة وضحاها إلى أدوات تأجيج للصراع، هذه اللعبة نحن من اصطنعها، وابتكرت القوى المستفيدة أساليب عدة لاستمرارها، تارةً من حيث الدين، وتارة من حيث اللغة، وتارة من حيث القومية المشتركة، ومرات عديدة اختلقت شائعات تنكرية، لبسناها وركبنا موجة الغضب الغير مبررة، وصنعنا ثورات عدمية، ألقت ببلداننا إلى مستنقع هاوٍ لا قعر له، ولنا في العراق عبرة، وفي سوريا دروس أبدية، وفي ليبيا ما نعجز عن ذكره!
لقد سطّر اليمنيون ملحمةً لا مثيل لها، حين اصطفوا في أبرز حدث مشهود، وذلك خلال مؤتمر الحوار الوطني، الذي تضمن حلولًا جوهريةً ومنطقيةً لتراكمات من القضايا اليمنية عبر كافة الحقب، إذ احتواها، وخرج المتحاورون بعصارة جهودهم إلى وضع حد لكافة التجاوزات واستنتاج حلول لكل ما مضى، بما في ذلك قانون العدالة الانتقالية وجبر الضرر الذي عرقلته قوى بعينها، على رأسها الأحزاب السياسية المعنية بكل ما ورد في القانون، الذي شكل إدانةً لكل ما مضى، وقضى بفتح صفحة يمنية جديدة لا ارتهان فيها للماضي، وهو ما رفضه المضطربون نفسيًا، المنتمون إلى مخلفات الأمس، ذوو الايدولوجيا المتجاوزة للكيان اليمني أرضًا وإنسانا، وإلا بالله عليكم هل كنا سنكون على هذه الشاكلة لو رأت مخرجات الحوار الوطني النور؟
من المؤلم أن نظل مرتهنين لماضينا، نشر عن خلافاتنا، ونستقوي بأهوائنا، ونتبع ما تمليه علينا العصبيات المقيتة، والأفكار الهادمة، والمصالح الضيقة، فنكون بلا ضمير ولا إحساس بقيمة الإنسان اليمني الذي اكتوى بالصراعات على مدى الزمن، وكان بوجه أو بآخر ضحية لجماعات الزيغ والبهتان التي تتبنى شعار " يُخربون بيوتهم بأيديهم"، وتستمر على ذلك المنوال حتى يعم الضرر كل اليمن على امتدادها وفي مقدمة ذلك الضرر الانقسام المجتمعي، وتفاقم سوء الوضع الصحي، وانهيار الاقتصاد، وانعدام موارد العيش ومصادره الأساسية، وكل هذا يدفع ثمنه البسطاء، أما رؤوس المصالح فهم من أقاموا الحرب، واستساغوها، والتهموا كل إمكانيات الشعب، ولا يريدون للحرب نهاية.
إننا نعاني من تعنت الساسة، وسوء تقديرهم للوضع، وانعدام إنسانيتهم التي عوّلنا عليها، وقبل ذلك كله فقدان الثقة بين أطراف النزاع، وبين الشعب ومسؤوليه، وهو ما تسبب في أن تبدو الحالة اليمنية على ما هي عليه اليوم، حتى أنها صُنفت بأسوأ الأزمات الإنسانية، وأصعبها سياسيًا، لنتجاوز بذلك بلدان الصراع العربي الأخرى، وهذا لقبٌ نستحقه في ظل حالة الاستخفاف البينية، وانسداد آفاق الحلول، وتمسك كل طرف بما يريده، دونًا عن أنهم يتجهون كلهم نحو " يُخربون بيوتهم بأيديهم"، ولهم في من سبق عظة وعبرة، ولكنهم لا يفقهون!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل