قبل صلاة الظهر بنحو ساعة، أثناء ما كانت الحافلة تشق طريقها في شارع جمال وسط مدينة تعز، تحدث أحدهم من المقعد الخلفي عن اتفاق ستوكهولم وسخر من قصة موافقة الحوثيين على الانسحاب من الحديدة، ثم عقّب ضاحكا: سيفعل بهم الحوثيون مثل ما يفعلوه في كل اتفاق!
من الواضح، أن أكاذيب الحوثيين لم تعد تنطلي على المواطن العادي، لكن ممكن أن تنطلي على قيادات وشخصيات سياسية، سارعت بالترحيب بالاتفاق، وتحدثت مبكرا عن هزيمة ساحقة تبدو حتى اللحظة أشبه بنبؤة عجوز طال ذاكرتها الخرف!
اتفاق ستوكهولم بين الطرفين الحكومي والانقلابي، تضمن عدة نقاط يصب مجراها الأخير في خدمة الانقلاب الحوثي. احتفى وزير الخارجية اليمني بحرارة المصافحة الحارة مع نظيره الحوثي، واحتفى التحالف العسكري لدعم الشرعية بما يعتبره انتصارا للشرعية وانتكاسة للانقلاب الحوثي، أما أنا فوجدتني أردد بهمس: ما ألعن الاتفاقيات عندما يكون الحوثيون طرفا فيها!
هذه العصابة تنكرت لعشرات الاتفاقيات بما فيها تلك التي أعقبت الانقلاب بساعات ورعتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأسبق جمال بنعمر، وستتنكر لاتفاق ستوكهولم الذي يعد انتصارا جديدا لها، من خلال ضعف موقف الحكومة التفاوضي، وما تضمنه الاتفاق من بنود وتفاهمات.
عندما نتحدث عن ضعف موقف الحكومة التفاوضي، فلا يمكن إغفال مجموعة من العوامل التي أتاحت للوفد الحوثي الظهور بثوب المنتصر في هذه المفاوضات، ومنها استمرار مصادرة القرار السياسي والعسكري للسلطة الشرعية في المناطق المحررة، من قبل التحالف الداعم لها، وهذه النقطة عزف عليها الوفد الحوثي مطولا خلال فترة المفاوضات.
بالنظر أيضا، إلى الإطار السياسي المقترح من الأمم المتحدة والمرفوض من الوفد الحكومي، نجد أنه تجاوز مسألة الانقلاب إلى إيقاف إطلاق النار الشامل وانسحاب الطرفين من المدن وصولا إلى مسألة الشراكة، وهذا الإطار بقدر ما يعكس تحيز الأمم المتحدة إلى جانب الانقلاب، يعكس أيضا ضعف معسكر الشرعية والتحالف الداعم له، خصوصا مع تصاعد الضغوط الدولية والتي كان آخرها تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على وقف الدعم العسكري لهذا التحالف.
أما عند النظر إلى ما تضمنه الاتفاق، نجد أنه يمثل انتصارا للحوثيين أكثر من كونه انتصارا للسلطة الشرعية؛ فالحوثيون نجحوا في إيقاف معركة تحرير المدينة، وبموجب الاتفاق فإن عليهم الانسحاب من المدينة، وتسليمها لقوات محلية موالية لهم، كما أنهم نجحوا في فرض رؤيتهم بالنسبة لميناء الحديدة، والتي تستدعي دورا أمميا للإشراف على ميناء الحديدة، وهو ما كانت ترفضه السلطة الشرعية حتى ما قبل انطلاق المفاوضات!
أما مدينة تعز المحاصرة منذ ثلاث سنوات، فلم تحض بأدنى اهتمام في هذا الاتفاق، باستثناء إعلان تفاهمات مبهمة وتشكيل لجنة مشتركة لتحديد نقاط التفاوض، وحتى تصريحات الأمين العام المتحدة أنطونيو غوتيرش التي أعقبت الاتفاق، أشارت فقط إلى تخفيف "التوتر" في تعز، ومصطلح التوتر هذا يستخدم عادة في الخلافات السياسية، ولا يتناسب في مع واقع مدينة تتعرض للحرب والحصار والقصف منذ قرابة أربع سنوات.
اتفاق ستوكهولم وبغض النظر عن تنفيذه من عدمه، يعطي انطباعا كافيا عن طبيعة مراحل التفاوض القادمة والموقف الأممي المنحاز لمعسكر الانقلاب، على حساب استعادة مؤسسات الدولة وإعادة الحوثيين إلى حجمهم الطبيعي، وهو ما يتطلب من السلطة الشرعية، والتحالف الداعم لها بذل جهود حقيقية لترجيح الكفة وإعادة الأمور إلى نصابها، ووقف العبث بحاضر ومستقبل اليمن الذي يستند بالأساس على حسابات سياسية خبيثة لا تخدم اليمن وجيرانها بقدر ما تخدم الحوثيين ومن خلفهم إيران.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية