تزايدت في الآونة الأخيرة، الأصوات المنادية بوقف الحرب في اليمن، وإحلال السلام، بعد تفاقم الكارثة الإنسانية، وانعدام أي مؤشرات على الحسم العسكري في جبهات القتال، وتعددت الآراء ووجهات النظر في طريقة إنهاء الحرب، وإحلال السلام.
فالأصوات الدولية ترتكز في دعوتها لإنهاء الحرب، على تسوية سياسية بين الانقلابيين الحوثيين والسلطة الشرعية، ويتفق مع هذه الأصوات كل من الإمارات والسعودية، الدولتان الرئيستان في تحالف دعم الشرعية، ومعروف أن الحل السياسي بمرجعيته الأممية، يتنافى مع الأهداف الرئيسية التي وضعها تحالف دعم الشرعية عند تدخله العسكري في مارس 2015.
أما الأصوات الداخلية فترتكز في دعوتها لإنهاء الحرب وإحلال السلام، على مصالحة وطنية مع الميليشيا الانقلابية، باعتبارها جماعة يمنية في نهاية المطاف، وجزء من هذه الأصوات استندت في اتخاذ هذا الموقف، على انحراف بوصلة تحالف دعم الشرعية عن تحقيق الأهداف المرجوة، وتحوله إلى ما يشبه قوة احتلال بالنظر إلى ممارساتها في مختلف المناطق المحررة.
وبالنظر إلى هذين المقترحين، نجد أن كلاهما يبقي على الحوثيين كقوة لها وزنها في المشهد اليمني، فالتسوية السياسية أو المصالحة الوطنية مع هذه العصابة دون وجود آلية واضحة والتزامات حقيقية، يعني مزيد من نفخ الروح في جسد الجماعة المتهالكة، ومنحها فرصة للمناورة والتقاط النفس، مثلما هو دأبها خلال السنوات السبع الماضية.
مما لاشك فيه أن اليمنيين لم يعد بمقدورهم تحمل تبعات الحرب، ولديهم تطلعات في دولة يسودها السلام والاستقرار، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الطريقة التي يراد بها إنهاء الحرب وإحلال السلام، تضع في طياتها المصالح الدولية كأولوية، بديلا عن مصالح ملايين اليمنيين، ولدى اليمنيين تجارب مؤلمة مع الحلول الخارجية التي جاءت تحت دعاوى إرساء الاستقرار والسلام، وكانت نتائجها كارثية بكل المقاييس، وسأكتفي بتجربتين أسهمتا في إيصال الوضع في اليمن إلى هذه المرحلة البائسة، وإدخال البلاد في دوامة اللادولة.
أما التجربة الأولى فهي المبادرة الخليجية المدعومة دوليا، التي منحت صالح حصانة من الملاحقة القضائية، وسمحت له بممارسة دوره كحاكم فعلي من خلف الكواليس، وكانت النتيجة أنه بذل كل جهوده لإفشال نجاح المشروع الثوري، وتحالف مع الحوثيين وقدم لهم الدعم العسكري والسياسي، وسهّل لهم الانقلاب على مؤسسات الدولة، والسيطرة على العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها.
أما التجربة الثانية، فهي تجربة ما عرف باتفاق السلم والشراكة في سبتمبر2014، الذي رعته الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر، وهو الاتفاق الذي منح غطاء دوليا لانقلاب الحوثيين، باعتبارهم قوة مؤثرة، وأتاح لهم المجال للسيطرة والتوسع واستكمال الانقلاب على ما تبقى من مؤسسات الدولة.
والملاحظ في هاتين التجربتين المريرتين، أنهما راعتا المصالح الخارجية، دون أي اعتبار لتضحيات اليمنيين وضحاياهم، بالتوازي مع منح جلاديهم امتيازات ومناصب سياسية، وهذا هو المصير الطبيعي لأي عملية سلام يفرضها الخارج، ولا تأتي نتاج تفاهمات داخلية صادقة تضع في أولوياتها المصلحة الداخلية، لا مصالح الخارج.
إن إنهاء الحرب وإحلال السلام، ينطلق من قيام الحوثيين بخطوات جادة، تتمثل في إنهاء الانقلاب على مؤسسات الدولة، وما ترتب عليه من تداعيات كارثية على كافة المستويات، وتسليم أسلحتهم الثقيلة ومناطق سيطرتهم، بما يسمح للدولة أن تمارس سلطتها على كامل ترابها، وإنفاذ العدالة بحق المجرمين والمتورطين في سفك الدم اليمني ونهب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، أيا كان معسكرهم وانتماؤهم، إضافة إلى التزام تحالف دعم الشرعية بإعادة الإعمار، ووقف ممارساته العبثية في التوسع والسيطرة، ودعم الكيانات الخارجة عن سلطة الدولة، وباعتقادي أن العصابة الحوثية لا تملك الجرأة لاتخاذ مثل هذه الخطوات، كما أن تحالف دعم الشرعية لن يقبل بهذه الخطوات كونها تعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة، وينهي حالة الوصاية والعبث الممنهج بجغرافيا ومقدرات البلد، ونفس الأمر ينطبق على القوى الغربية التي تسعى لإبقاء ميليشيا الحوثي كلاعب رئيسي في المشهد، في إطار خططها لدعم الأقليات وتمكينها من رقاب الأكثرية.
إن السلام لا يمكن اختزاله في عبارات فضفاضة، وعواطف آنية تنظر للمشكلة من زاوية واحدة أو وفق معطيات مؤقتة تضع في حساباتها الموقف الدولي بدلا عن الوضع الداخلي، وأي عملية سلام ترتكز على ذلك فلن يكتب لها النجاح على المدى البعيد؛ لأنها في الواقع ليست سوى قنبلة موقوتة لحروب قادمة..
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية