ليس لديهم ما يخسرونه، ولا توجد إملاءات بعينها يحتاجونها في كل صغيرة وكبيرة، ولا التزامات سياسية أو محسوبية قد تؤثر على معنيين ذوي ارتباطات محددة معهم.. بهذه الأبجديات يتعامل الحوثيون مع يومياتهم الحربية في الجبهات، ومع مخاضات الأسواق السوداء التابعة لسماسرتهم على امتداد المحافظات التي يسيطرون عليها بالقوة، وما بين الجبهات والأسواق فعاليات وحراك تلميعي يومي من خلال شبكاتهم الإعلامية المزودة بكافة الاحتياجات التقنية والمرفودة بخبراء على مستوى الإعلام الحربي، والقراءة اليومية للأحداث وما يعينهم على التفوق في المعركة الشاملة من خلال الإعلام؛ كسلاح ذي حدين.

على النقيض تمامًا، تعمل الشرعية ذات الهم الأكبر، والأحقية في كل ما يجري، وذات الأثر الذي لا يشعر به أحد.. تمتلك الشرعية إمكاناتٍ هائلة لتحقيق مكاسب حقيقية على المستوى الإعلامي، يمكن بها أن تدور عقارب الساعة على هواها، وتتفوق حقوقيًا في المحافل الدولية وأمام المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.

لكن الحسبة السياسية تحول دون حدوث ذلك التفوق، فلا الإمكانات المتوفرة يُستفاد منها كما يجب، ولا الطاقات البشرية المتخصصة تلقى العناية والاهتمام اللازم، ولا يوجد ما هو متاح للتخطيط والإبداع والتميز، فكل كلمة يجب أن تمر على معنيين، يضربون ألف حساب للمسؤول الفلاني والعلاني، ولدولة الإنقاذ ودولة الوصاية، وهو ما جعلهم يغردون في سرب بعيد كل البعد عن مسار الأحداث على الأرض من انتصارات في الجبهات وانتهاكات المليشيا في المدن التي لا زالت قذائفها تصلها، وكذا حالات الابتزاز والاختطاف اليومي في المحافظات المُنتهكة منهم.

هناك استنساخٌ حوثي لكافة المؤسسات الإعلامية الحكومية، وإعادة تفعيل، ونشرها على نطاق واسع، بما يتماشى مع أطروحاتهم ويساهم في تعزيز أيدلوجياتهم ويمنحهم الحضور الفعّال على المستوى الشعبي ضمن السباق الإعلامي بينهم وبين الشرعية، وإن كانوا على ضلال، فإنهم يعملون دون كلل أو ملل لتسويق ما يؤمنون به، وما يعينهم على تعزيز حضورهم في الأوساط الشعبية بترويج أفكارهم السوداء، ونشر شائعات الانتصارات اليومية، ومصفوفات التهديد والوعيد، وهم لا يفعلون من ذلك شيئًا، غير أنهم يحققون ما يريدونه بواسطة وسائلهم الإعلامية المتعددة.
في ذات الوقت لا تجد الوسائل الإعلامية الشرعية وهي بعدد الأصابع ميزانيات تشغيلية لأفرادها العاملين أو لإنتاج مواد تغطي مساحات البث اليومية المتقطعة، علاوة على ذلك فإنها لا تخلو من عملية اللمز بين المحسوبية من جهة وبين الصراعات الحزبية من جهة وبين الولاءات الخارجة عن نطاق الخريطة اليمنية، والتبعية لمكون حسب الله الذي يفرض ما يتلاءم مع ما يريده أن يكون.

عشرات الإذاعات الموجهة، وسلسلة من القنوات الفضائية، ومالا يحصى من مواقع إلكترونية ومنصات متاحة ضمن وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تصب في ما تشتهيه المليشيا الحوثية بما يعزز من تفوقها الإعلامي محليًا ويحقق لها مردودًا عالميًا في إطار التقارير الحقوقية المدينة للقوات الشرعية والتحالف العربي، وقد حدث ذلك في مرات عدة، آخرها تقرير الخبراء الأمميين الذي أدان الشرعية والتحالف.

تنشغل الميلشيا بصناعة إعلامياتها الحربية، وموادها التي يواكبون بها احتياجاتهم السياسية والاقتصادية، وما يضخون بواسطته الأفكار التي تعينهم على الاستمرار بوضعهم الحالي من خلال وسائلهم الإعلامية المتنوعة، في الوقت ذاته، يتم تعيين عدد من الوكلاء والمستشارين الإعلاميين لوزير الإعلام في الحكومة الشرعية، الذي إضافة لكونه غير متصل بأي شيء له علاقة بالإعلام، ابتلاه الرئيس بزمرة وكلاء ومستشارين، منهم من يعمل ومنهم من اكتفى بالمنصب ولازم الصمت، ومنهم من يعمل على تلميع دول أخرى؛ لتمرير بعض الأهداف التي تضر بالمصلحة الوطنية، وتعزز من تفاقم الهوة المجتمعية بين الأوساط الشعبية، وذلك ما يجري دون وازع وطني أو رادع قيمي.

لا أستطيع تخيل وضع الإعلام المؤيد للحكومة الشرعية والمناهض للمليشيا بدون قناتي يمن شباب وبلقيس، فهما وحيدتان في معركة إثبات الحق لهذا الشعب الذي وجد نفسه بين مطرقة البطش الحوثي وسندان خذلان الشرعية، حتى تاه، وفقد كل ما يملك من مكتسبات وثوابت هي الأخرى محل شد وجذب بين أطراف الصراع، كلٌ يدعي جدلًا أحقيته بها، وليذهب الشعب إلى الجحيم، فالأزمات المعيشية، وحالة الغلاء المستعرة، يتوافق حولها الحوثيون والحكومة، ولا يتناقلونها إلا في أخبار عابرة، والويل والثبور للباحثين عن لقمة يسدون بها رمق حياتهم، من بين كل هذا تنبري قناتا يمن شباب وبلقيس وكل الوسائل الإعلامية المتصلة بهما لنقل معاناة الشعب، والاتصال بهمومه واحتياجاته، إضافة إلى رفع مستوى الثقة لأفراد الجيش الوطني المرابطين في الجبهات، الذين يعانون إهمالًا غير مبرر من قبل الإعلام الحربي الشرعي المرافق للوزير الإرياني في جبهات التقاط الصور والتصريحات المبطنة برسائل المديح والتقديس... !

على الحكومة الشرعية وكل وسائلها الإعلامية أن تبحث عن طرق ذات فاعلية وحلول ناجعة للتفوق الإعلامي على الحوثيين في معركة الحضور الشعبي كما يحدث على مستوى المواجهات العسكرية، وإن كان هناك من يعارض ويأبى...