فرضية "القتلة المارقون" التي ذكرها الرئيس الأمريكي ترمب، خلال حديثه عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، راجت كثيرا وأصبحت مرجعا رئيسيا استندت عليه السلطات السعودية عند إعلانها رسميا وفاة الرجل في قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول، بيد أن ثمة قتلة مأجورون يتبعون أبو ظبي أزهقوا عشرات الأرواح في مدينة عدن ولم يتحدث عنهم أحد.
تعاني العاصمة المؤقتة عدن، من حالة انفلات أمني ممنهج، وكان من تداعياته الكارثية، أن المدينة أصبحت مسرحا دمويا لتنفيذ عشرات الاغتيالات ومحاولات الاغتيال بحق شخصيات دينية وعسكرية وأخرى سياسية، وهي شخصيات رافضة للمشروع الإماراتي، أو غير متماهية معه، وهو ماكان يثير تساؤلات مشروعة عن دور أبو ظبي في الوقوف خلف هذه الاغتيالات أو محاولات الاغتيال.
موقع بازفيد الأمريكي، وفي تقرير استقصائي، كشف عن وقوف فريق اغتيالات أمريكي يقودهم يهودي إسرائيلي، خلف عمليات اغتيال جرت في محافظة عدن، مقابل مليون دولار تصرف للفريق كل شهر فضلا عن مكافآت عن كل عملية قتل، والنقطة الأهم في هذا التقرير هي أن الإمارات استعانت بهؤلاء القتلة المأجورين، للتخلص من أرواح مواطنين يمنيين، لمجرد مناوئتهم للمشروع الإماراتي التوسعي داخل الجغرافيا اليمنية.
الخيوط المهمة، والمعلومات الصادمة التي حفل بها تقرير بازفيد، كان يفترض أن تشكّل قاعدة للبناء عليها قضائيا، وكشف بقية الخيوط، كأقل رد يمكن أن تقوم به سلطة تحترم أرواح مواطنيها، وتصونها من العبث والقتل دون وجه حق.
حتى اللحظة لم تصدر السلطة ومعها الأحزاب السياسية أي بيان رسمي بخصوص تحقيق بزفيد، وانشغلوا جميعا بالتضامن مع قتلة خاشقجي "المارقين"، في محاولة للتغطية على تورط الإمارات بدعم قتلة آخرين يعيثون فسادا في العاصمة المؤقتة عدن، فوزير حقوق الإنسان المعني بحقوق المواطن اليمني تحوّل إلى مغرّد إلكتروني يشيد بدور ابن سلمان، ويتضامن مع المملكة في وجه الحملات التي تستهدفها، ونفس الموقف ينطبق على الأحزاب السياسية التي أصدرت بيانا يتضامن مع السلطات السعودية إثر مقتل خاشقجي، وطالما أصبح لدينا مسؤولون وأحزاب سياسية تهتم بقضايا الخارج، فالأولى بها أن تتضامن مع الضحية لا مع الجلاد وزبانيته!
إفراغ الساحة اليمنية من الشخصيات المؤثرة، وقتلها بواسطة مرتزقة أمريكيون، تدعمهم الإمارات، أمر لا يمكن السكوت عنه بعد أن بدت تفاصيله تظهر للعلن، ولا يوجد مبرر لتنصل السلطة الرسمية والأحزاب السياسية عن تحديد موقفها من ضلوع أبو ظبي في حوادث الاغتيال، لكن يبدو أن الجميع لا يجيد سوى دبج البيانات والإدانات لحوادث الاغتيال، مع التحفظ عن الإشارة إلى الجاني أو من يتولى الملف الأمني في مناطق الاغتيال وهي السلطات الإماراتية.
حزب الإصلاح الذي نال النصيب الأبرز من حوادث الاغتيال، يمارس تقية سياسية مع غير مبررة مع السلوك الإماراتي، ويلتزم الصمت تجاه القتلة الحقيقيين الذين يقفون وراء عمليات قتل العشرات من كوادر وأعضاء الحزب، مكتفيا ببيانات الإدانة، وتسويق دماء الضحايا في إطار تضحيات ونضالات الحزب، متناسيا أن أكبر نضال يمكن أن يقوم به، هو الانتصار لدماء الضحايا من خلال مقاضاة الجناة، ورفع حدة الخطاب السياسي في التعاطي مع الاغتيالات الحاصلة، وكشف الحقائق أمام الرأي العام بكل شفافية، بدل الانسياق خلف الخطاب السياسي الرسمي، وبيانات الإدانة التي لاتفيد عائلات الضحايا في شيء.
القتلة المأجورون في عدن، لا يمكن الوقوف في طريقهم، طالما بقي القرار الرسمي تابعا للقرار السعودي الإماراتي، وطالما بقيت الأحزاب السياسية تمارس نفاقا سياسيا، يجعلها سلوكها أقرب للارتزاق منه إلى العمل السياسي في حدود معقولة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية