قالت لي جارتي إن زوجها اشتري علبة الفول للعشاء بـ300 ريال، وفي الصباح اشتراها بـ350..! وأضافت بحسرة: ليت الدولار تأخر في النوم حتى بعد الإفطار.
ولكنني حين قررت شرائها ظهرا، في خطوة احترازية واستباقية من أجل وجبة العشاء، قال لي البائع أنها بـ400 ريالا. فرفعت يدي إلى السماء وقلت "اللهم عليك بنا جميعا" ..
نسمع في العالم الخارجي عن جنون البقر، وجنون العشاق، لكن عندنا لا شيء مؤثر كجنون الأسعار. والتي على أثرها جن كثير من الناس؛ عجزا وهولاً لما يترتب على جنونها من جوع وفاقة.
مُفزع أن نكتشف أننا في غابة حقيقية؛ البقاء فيها للأقوى ماليا؛ سلسلة غذائية بشرية؛ الكبير فيها يأكل الصغير! والمواطن الفقير هو نهاية السلسلة الغذائية الافتراسية في هذا المجتمع المتوحش .. !!
الحوثي يأكل التاجر الكبير في المنافذ، والتاجر الكبير يأكل التاجر الصغير في الجملة، والتاجر الصغير يأكل المواطن الفقير..؛ بحجة الدولار!!
تذكرت تلك السيدة التي اقترضت بضعة آلاف من الدولار قبل عامين من أجل مشروعها الخاص، والتي قالت لي يومها بذكاء: "لم يهن عليَّ بيع الذهب من أجل مشروعي، فكله هدايا من زوجي الراحل. لكنني اقترضت مالا بالدولار، وحين يتحرك مشروعي سأسدد ديني بالدولار، ويبقى الذهب من ذكرى المرحوم".
هذه السيدة المسكينة، لم تكن تتوقع فاجعة الدولار، الذي أرتفع كصاروخ أطلقته "وكالة ناسا" إلى سطح القمر، ورفض أن يهبط بعدها. الآن؛ هي باعت ذهبها كله وذكرى المرحوم، وكذلك مشروعها الوليد، ولم يتسن لها قضاء دين الدولار الخارق الساحق !!
سيرتفع الدولار وينخفض، لكن هيهات أن تنخفض أسعارا قد رفع الظلم قدرها في جيوب مافيا القوت والغذاء.
لم يعد الدولار ضليعا رئيسيا في مجزرة البطون الخاوية، وإن كان شريكا محرضا لشهية مجرمي الأقوات الذين يسفكون كرامتنا على أبواب محلاتهم وبضاعتهم الكاسدة. هؤلاء الذين نامت ضمائرهم، واستيقظت فيهم غرائز الضباع في الفتك ببقايا حياتنا التي افترستها الحوثية.
ونحن هنا؛ لا نغفل شريك آخر في مجازرنا السعرية؛ إنهم أولئك الميسورين الحال، الذين يتعايشون مع ارتفاع الأسعار بلا قلق ولا قرحة في المعدة والقولون، ويُهّيجّون شهية التجار لرفع الأسعار دون مراعاة للغالبية من طبقة الكادحين.
كما لا نغفل أننا بلا دولة حقيقية؛ سواء في مناطق الشرعية، أم مناطق الانقلاب، وأن الرقابة السعرية محض مزحة ساخرة، خاصة وأن حاميها حراميها كما هو الحال.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية